في شهر رمضان المبارك صعدت إلى رب العباد روح أستاذنا ومربي الأجيال الخالد «مصطفى النعيم عمر» في مدينة عمان الأردنية التي نقل إليها مستشفيا بعد أن داهمه المرض في مدينة المجلد مدينته التي أحبها وعمل من أجلها مفنيا زهرة شبابه في خدمة الإنسانية، مربيا جليلا ومعلما فذا وفارسا لا يشق له غبار. عمل مصطفى النعيم كما عرفته معلما في مدارس المرحلة الابتدائية في السودان، متنقلا بين ولايات السودان ومدنه وقراه حاملا لواء العلم محاربا للجهل، وكان نبراسا لا ينطفئ ومازال، عشق الخلود فاختار مهنة الخلود، وكيف لا وقد سمى أبناءه بالخلود «خالد وخالدة وخوالد». وحين كان مديراً لمدرسة المجلد الجنوبية في سبعينيات القرن العشرين، كنا من طلبته المحظوظين به، لأنه كان مديرا لنا، ومحظوظ من كان مصطفى مديرا له، كنا ونحن تلاميذ الصف السادس بالمدرسة الجنوبية في عام 1978م نجله أيما إجلال فهو كان الأب قبل المعلم ، كان يرافقنا في المذاكرة الليلية بالمدرسة حيث كان يأتي منذ الخامسة والنصف مساءً إلى المدرسة ليشرف على إشعال الرتينة و إخراج المقاعد من الفصل، حيث كان الجو حارا في صيف تلك القرى وبعد تأكده من جلوس كل منا على مقعده يوزع علينا بيديه الكريمتين التمر والفول المدمس، حيث يضع لكل واحد منا مقدار ملء يديه على الدرج، بعدها يذهب ليأتينا بالحليب الذي يشرف هو نفسه على إعداده وتوزيعه، ثم يواصل البقاء معنا حتى الساعة التاسعة والنصف مساءً ليسمح بعدها لمن أراد بالذهاب لينام. هذا الجهد المقدر أثمر نجاحا لمدرسته بلغ نسبة 100%، في وقت كان فيه الدخول للمرحلة المتوسطة في تلك المنطقة من الصعوبة بمكان، فقد كان التنافس على أشده بين التلاميذ والمدارس، حيث كانت هنالك عشر مدارس تتنافس لينال تلاميذها فرصتهم في القبول ضمن ال «150» مقعداً المخصصة، وتذهب البقية إلى الشارع بغض النظر عن نجاحهم، ضمن هذا الجو التنافسي الصعب دخل طلاب الجنوبية ال «36» مدرسة المجلد المتوسطة، وكم كانت فرحته كبيرة وهو يرى أبناءه يحتلون المراتب الأولى، فقد كان يركض ما بين المكاتب وجمهرة التلاميذ حين يسمع النداء باسم أحد تلاميذه ليعانق هذا ويحمل ذاك على الأعناق، يا له من مشهد رائع لا يفعله إلا الرائعون وأبو خالد قمة الروعة. محظوظ من تتلمذ على يدك ومحظوظ من عرفك وأدرك زمانك، وشريف من انتسب إليك يا من يعتز به العز ويتشرف به الشرف. يا سيدي يا ذا الفضل الجميل يا درة الزمن النضير يا تاج الجيل تفتقدك الصباحات البهية اليوم وحصص الترتيل، تفتقدك أم الديار علماً يرفرف بالحديث الفضيل، ودور العلم توشحت بالسواد حين غاب صوتك النبيل، ستظل فينا خالداً يا أبا الخلود ما دام الماء يجري في النيل. لك جنات الخلد يا أبي بما قدمت للأجيال من فعلٍ جليلٍ قال تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العظيم. [email protected]