الترزي ... لم يبق غيرَ الكفن الخرطوم : أمل محمد اسماعيل غربت شمس الترزي ولم يبقَ غير الكفن .. لقد انتشر استخدام الملابس الجاهزة .. لم يعد سهر الصغار امسية العيد امام الترزي من ابرز ملامح الحراك الانساني في القرى والبلدات .. لقد احكمت الملابس الجاهزة قبضتها واضحت سيدة الموقف وهي بذلك لم تقضِ على التفصيلات التقليدية وحسب لقد صارت التصميمات الخليجية جزءً من المشهد المألوف كما تم تطبيع بعض التصاميم الغريبة التي تاتي اغلبها من دولة الصين .. كثير من الشباب والشابات باتوا يعتمدون علي الملبوسات الجاهزة التوجه الجديد قضي علي امبراطورية ظلت فاعلة في حياة اهل السودان .. لم يكن الترزي في الحي مجرد ذلك القائم علي امر حياكة الملابس بل كان جزء حيويا من ادوات الرقابة الاجتماعية فهو بحكم بقائه في الحي علي مدار الساعة تجده الكفيل فهو يستقبل الضيف ويقف علي خدمته وهو من يغيث الملهوف والترزي هو من يسعف المرضي ومن يأتي بالداية عندما تشتد وطأة المخاض وهو الذي يكشف التلاميذ الذين يتعاطون الزوقان من فصول الدرس قبل المعلمين .. وانهيار امبراطورية الترزي يعني ان عين المجتمع قد غشاها الرمد .الصحافة جلست الي نفر من الترزية تحدثنا معهم واستمعنا اليهم حول واقع ومستقبل المهنة فماذا قالوا وما رأي الناس. عيسي محمد بابكر ترزي الذي التقينا به بالثورة الحارة 23 بامدرمان قال بانه يعمل في مجال الخياطة منذ عام 1973 وبدأ بسوق امدرمان لمدة 4 سنوات ومن ثم انتقل الي مشغل الملابس الجاهزة في مدينة المهداوي بامدرمان وعمل بقسم البناطلين والقمصان وتنقل بين عدد من المشاغل تنقل بين خياطة الجلاليب الرجالية والملابس الافرنجي وانتهي في مجال التفصيل الستاتي . كان محمد يحدق بعيدا وهو يحدثني عن امبراطورية الامس وكيف كانت ماكينة الترزي تئن في بداية المواسم المدرسية فقد كانت الاردية والقمصان وكانت شنط التلاميذ التي قوامها الدمورية كانت مواسم بدء المدارس في يوليو هو موسم الحصاد للترزية حيث يتم تصميم الزي المدرسي كاملا نسبة لعدم وفرة الزي المدرسي الجاهز وبزفرة حري عاد عيسي للحديث عن حال اليوم ليقول ان الملابس الجاهزة قضت علي الاخضر واليابس واصبح من بقي في المهنة يعتمد علي اعمال تضييق وتقصير البناطلين والاسكيرتات و برم الثياب فقط من دون تطريزها وخلص عيسي الي ان الخياطين الجدد باتوا من ذوي النفس الضيق وباتوا اكثر حدة ونقاشا مع المواطن اما العم عبد الله محمد الذي تحدث الينا من الثورة الحارة 13فقال بانه يعمل في مجال خياطة الملابس منذ عام 1968 في ملابس الرجال والنساء والبلدي وبدأ عمله بمدينة سنجة وقد قارن العم عمر بالتفصيل زمان والتفصيل اليوم واوضح خلال حديثه بان التفصيل زمان بسيط ولكن العائد كثير ،ولكن اليوم برغم من اسعاره العالية الا انه لا يكفي الغرض ويرى ان التفصيل النسائي اصعب اذ ياخذ زمنا اطول وكذلك مكلف جدا ولكن الرجالي لا ياخذ زمنا فالجلابية لا تحتاج لزيادة او نقصان. عم ابراهيم كشف انه تنقل بين عدة اماكن لامتهان المهنة مثل مدينة سنجة والقضارف وفي الخرطوم بدأ بعمارة ابو العلا القديمة بالقرب من ميدان الاممالمتحدة وعمل كذلك بحي البوستة بامدرمان واضاف العم عمر بان التصاميم الجاهزة التي تحتشد بها اسواق الخرطوم اثرت علي عملهم . عثمان محمد الحاج وهو شيخ في السبعين من عمره قال انه امتهن خياطة الملابس منذ 1945 وله ذكريات مع ماكينات الخياطة التي بدأها بالفونس وانتهي ببالسنجر الشهيرة وقال شيخ محمد بانه نعي المهنة منذ بداية التسعينيات عندما جفت الحياة في مصانع النسيج. في الخرطوم وودمدني وبعد ان صارت البلاد مستعمرة لنفايات الملبوسات الاجنبية مضيفا انه ظل يداوم علي متابعة احوال ابنائه الترزية كاشفا عن انه لم يبق للترزي غير الكفن قالت له ماذا تعني فاجابني بعبقرية من هو في عمره بالقول خذ ما شئت من معني ان كنت تريد القريب فقد بقي الكفن هو الوحيد الذي لم يتسورد وان بدأت بعض المنظمات الخيرية في توفيره كما يمكنك القول بان الترزي خلاص جفت اسباب حياته ولم يبق غير ان نحشره في كفنه بعد ان ظل يحيكه للآخرين ! الهادي محمد احمد صاحب محلات الهادي للتفصيل الحديث قال بانه يعمل بمجال الخياطة منذ عام 1970 وبدأ بسوق امدرمان وعمل بالافرنجي ثم انتقل لقسم البلدي والستاتي والآن يعمل في مجال البدل الرجالية وعن ثاثير الملابس الجاهزة يقول بانها اثرت علي عملهم واغلب الزبائن باتت تلبس الملابس الجاهزة كما ان المصانع الصينية تقوم بعمل الجلاليب الرجالية ما ادي الي تدهور مهنة الترزية وعن احسن الموسم يقول الهادي كان موسم العيد في السابق عندما كانت الاسرة تاتي قبل شهر رمضان الكريم اما الآن انقلبت الصورة و بات الخياطون يستلمون الملابس في اواخر رمضان مما يدل علي تراجع اقبال المواطن علي محلات الترزي ومع نفس الترزي لاحظت وجود احدي الشابات تقوم باخذ المقاسات فاقتربت منها وسإلتها هل تعملين بها المحل اجابتني بان اسمها اخلاص عبد العزيز والاخري اسمها نجود علي وقالت بانهما يعملان في هذا المحل وهما خريجات جامعة النيلين والاخري جامعة الخرطوم وتعملان في ادارة وتشطيب المحل وكذلك اخذ المقاسات من الستات وتركيب الورود والكرستال للبسة العروس واضفن الاثنان بانهما بعد ان عجزن من وجود عمل لجأن الي امتهان هذة المهنة وهن الآن يفتخرن بها.