«لست بالرجل الذي يدفن في اي مكان يموت فيه.. يجب أن أُدفن وسط مضارب قبيلتي».. ربما تكون تلك آخر الكلمات التي نطق بها الزعيم دينق مجوك في خريف 1969م وهو على فراش الموت بمستشفى المعادي بالقاهرة، مخاطباً ابنيه السفير د. فرانسيس والطبيب د. زكريا بول. ويمضي الابن د. فرانسيس دينق يقدم رؤيته لرحيل والده في كتاب له بعنوان «رجل يدعى دينق مجوك.. سيرة زعيم مجدد».. وقام بترجمته بكري جابر عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، ويستطرد «كان من الصعب علينا تقبل ذلك الواقع، فأبي ما كان يجب أن يفارق الحياة في ذاك التوقيت، فهو الوحيد القادر على تسيير أمور العائلة والقبيلة ومسائل حدود تماسنا مع القبائل العربية في الشمال والافريقية في الجنوب.. مات ابي وترك كل العبء لنا نحن ابناؤه الكبار، وقد جاء يوم تحمل المسؤولية». «يبلغ طول دينق مجوك حوالي ستة اقدام وثلاث بوصات. وقد كان نحيلاً دقيق القسمات واضح الملامح. وكانت الندبة في شفته العليا تبرز كاريزما وجهه، وهي نتيجة جرح بمخلب أسد كان قد قاتله ببسالة لحماية أخيه الاصغر اروب. كان دائماً ما يرتدي الزي الكامل للنظار والزعماء العرب، جلباباً أبيض وعباءة وعمامة على رأسه». لقد استهواني الجانب الإنساني في حياة دينق مجوك وعلاقاته بنسائه، فقد كان يحب ويجل النساء، ولكنه كان ينظر اليهن باعتبارهن مخلوقات ضعيفة يجب حمايتها، ولعل أكبر دليل على هذا الحب والاجلال أن عدد زوجاته يتراوح ما بين 200 الى 400، ومعظمهن أنجبن اطفالاً، ورغم عددهن الضخم إلا أن المؤلف يقول إنهن كن جميعاً مخلصات له، وكان دائما ما تظهر الابتسامة على وجهه عندما يتحدث الى امرأة أهاجه العشق بها. وفي شأن تعلق ابناء الدينكا بالذرية خصوصاً الذكور، يورد المؤلف «يخاف الدينكاوي أن يموت دون أن يكون له ابناء ذكور الذين يكون خلود اسمه متحققاً فيهم، فالرجل الذي يموت دون أن يكون له من يحمل اسمه فهو هالك ويصبح فانياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولكن مع ذلك فإن هناك التزاماً اخلاقياً على أفراد اسرته بأن يتزوجوا امرأة وتنجب اطفالاً يحملون اسمه. وكذلك اذا توفى رجل وترك ارملة في سن الانجاب فإن هناك التزاماً اخلاقياً ايضاً على احد الاقارب بأن ينجب منها اطفالاً باسمه». لم يدخن دينق مجوك ولم يشرب الكحول قط، ولكنه لم يكن حاداً في رفضهما، وقد أظهر قدراً من التسامح تجاه تصرفات بعض زوجاته الاوائل وبعض الابناء في شرب «المريسة» التي تحتوي على قيمة غذائية كبيرة، وكذلك لم يعارض تدخينهم بشدة. ويورد المؤلف قصة في غاية الطرافة عندما ضبط الزعيم اثنتين من زوجاته الصغيرات جلسن في كوخه وبينهما «زجاجة عرقي» يتبادلان منها الأنخاب، فاعتبر شربهما للكحول بمثابة إعلان تمرد على سلطته وأعلنهما قائلاً «منذ هذه اللحظة أنتما لستما من زوجاتي»..!! «غداً نواصل».