توقفنا بالأمس مع الزعيم الراحل دينق مجوك وهو يردد كلمات مضيئة حين قال «أنا لا أريد ثروة او جاهاً، ولكن اعتبر بقائي في أبيى من أجل كل السودان، حتى أكون مثل الخيط والابرة التي تخيط شقي الثوب السوداني في قطعة واحدة». ما أحوجنا في مثل هذه الايام لهذا الفهم الذي يتطلب مرونة واجبة من أهل الشمال والجنوب معاً. ويروى إبراهيم محمد زين أنه في عام 1952م أرسل الزعيم دينق مجوك هدايا من الخراف والأبقار الى مدرسة يعمل فيها بالمجلد، فذهبوا في وفد من المدرسة لشكره، وبعد أن اكرمهم وأحسن ضيافتهم قال لهم: «إن الانجليز يلفون عنقي بعمامة ويجرونني وهم يصرخون في «الى الجنوب.. الى الجنوب»، وأنا اجر نفسي صارخاً الى الشمال...الى الشمال، وأنا أفعل ذلك لأجد أُناساً مثلكم، ومدارس مثل مدارسكم لاطفالنا حتى يتعلموا». ويمضي المؤلف فيقول على لسان أحد ابناء دينكا نقوك «كان دينق مجوك يقول إنه لا يستطيع أن ينضم الى الجنوب لأن طريقة حياة الناس في الجنوب ليست أفضل من الشمال». وتضيف ابنته نيانجور في مسألة جاذبية الشمال عند أبيها قائلة «كما ترى، فإن جهود ابي الذاتية هي ما جعلت ابيى اليوم مثل المدينة. وقد فعل ذلك نتيجة لعلاقته بالشمال وليس الجنوب، فهكذا أُنشئت المدارس والمستشفى والمتاجر والخدمات الاخرى في أبيى، وتوفى أبي تاركاً أبيى في أحسن حال، وكل ذلك نتيجة علاقته بالعرب». ويستطرد المؤلف د. فرانسيس دينق «في عام 1951 أعطى الانجليز الخيار لدينكا نقوك في الانضمام الى الجنوب، ولكن دينق مجوك مثله مثل أبيه اختار أن يبقى في الشمال. ويبدو أنه كان يرى في انتمائه لبعض عناصر الثقافة العربية الاسلامية سانحة لرفع مكانته، ويقرُّ كل الذين تمت مقابلتهم في الأسرة أو من غيرها، سواء أكانوا عرباً أو دينكا، جنوبيين أو شماليين، بأن دينق مجوك كان حافظاً للتوازن ما بين الجنوب الإفريقي والشمال العربي بسبب علاقاته النزيهة مع الطرفين». وبهذه الطريقة رفض دينق مجوك الانضمام الى الجنوب، وأعلن للناس في وقت لاحق: «سوف لن أذهب الى الجنوب. وإذا اخترتم أن تذهبوا أنتم فلن أكون زعيمكم، ويجب عليكم أن تبحثوا عن زعيم آخر». وراح يخاطب الانجليز بقوله «أنا لست الرجل الذي ترعى قطعانه على الحواف.. أنا الآن في الوسط ولن اذهب الى الحواف.. ما تطلبونه مني أنتم أيها الانجليز هو أن أذهب إلى الاطراف وأن اجلس على الحافة، هذا لن يحدث وسأبقى هنا».