مارد عملاق طويل القامة قوي التقاطيع.. تنم قسمات وجهه عن القوة ويبدو من مظهره انه قاس وعنيف ولكن صوته الهادي العميق ينم عن نفس طيبة وروح نبيلة، وقد يكون هذا عندما نلتقي به خارج الملعب، ولكن عندما يرتدي حلة الميدان ويقف كالمارد في المرمى يتنمر ويغلي كالمرجل.. ان صاحب هذا الوصف هو «ميرغني حمدون» الشهير ب «أبو ليمونة» اطلقت عليه الجماهير هذا اللقب لانه كان يتلقف الكرة بيد واحدة مهما كانت قوتها، ولا يجرؤ احد على الاقتراب من عرينه، وهو الآن في الثامنة والثلاثين من عمره يعيش عازباً، ولكنه ينوي ان يتأهل في الشهرين القادمين.. ٭ قلت لعملاق الموردة حدثني عن حياتك في دنيا كرة القدم فابتسم واعتدل وتحدث الى وكنت لا اسمع الا همساً.. قال: بدأت ممارسة كرة القدم عندما كنت في الكتاب ثم فريق الحي الذي يشرف عليه الشيخ محمد، وعندما انتقلت عائلتي الى ام درمان التحقت بفريق الصقور بالموردة ثم قلب الاسد. وعندما التحقت بالموردة كان ذلك قبل افتتاح دار الرياضة، بالمناسبة فإنا ضعيف الذاكرة ولا استطيع ان اتذكر السنين الماضية، وكنت اساهم في حمل الاقوان للميدان، وبعد ذلك بدأت اشارك في مباريات الفريق الثاني، وكنت أمارس كل الوظائف ما عدا قلب الدفاع. وبعد أن أصبت في ركبتي قصرت نشاطي على حراسة المرمى، وبقيت بها الى ان اعتزلت عام 3591م في الجنوب، اما فريق الموردة فقد انقطعت عنه منذ عام 2591م. ٭ قلت لأبو ليمونة ما يميزك عن غيرك من حراس المرمى في عصرك هو انك تمسك الكرة بيد واحدة، وشيء آخر هو أنك ترفع كفك كالعسكري الذي يود ان يوقف الحركة، فهلا حدثتني عن سر ذلك؟ فأجاب قائلاً: إن التقاطي الكرة بيد واحدة مرده الى التعود، فقد كنت افتح كفي واثني اصابعي الى الامام قليلا حتى تأخذ شكلا يمكن الكرة من الهبوط فيها بارتياح، فإن كانت الضربة قوية فإن الكرة تصطدم بيدي ثم تقفز قليلا، وتتابعها يدي «مرحلتين» واذا كانت هادئة سكنت فيها بدون حراك، اما رفعي ليدي فلا اقصد به اخافة المهاجم، وانما اشير بها لزملائي ليدركوا ان الكرة اصبحت في مأمن ولا داعي للركوض وراءها «يعني موضوعها انتهى». ٭ سألت ميرغني عن المهاجم الذي كان يخشاه ويعمل له حسابا؟ فقال: إن كشيبا في نظري اخطر مهاجم واجهته في تاريخي الرياضي، فهو ثعلب ماكر لا تعرف نواياه.. ولا يمنحك الفرصة لتعرف الى جهة يصوب الكرة.. وكان عنده استعداد للضرب في المرمى من اي وضع، اما شرفي فكان يمتاز بقوة الضربة وكذلك طلعت الذي اذكر له موقفا لا يُنسى، فقد كان المرحوم زرقان سنتر هاف الموردة في اوج مجده، وكنا نلعب ضد الهلال وبدأت اللعبة من محمد عبد الرحيم طلع محمد من زرقان ثم رفع الكرة امام المرمى فاتجه نحوها طلعت وفشل زرقان في اللحاق به، وقبل ان تهبط الكرة عاجلها طلعت بضربة على الطائر من مسافة ثلاثة أمتار من المرمى، ولكني التقطتها بيد واحدة، مما ادهش طلعت وحدا به الى تهنئتي على جهدي الخارق، وبالمناسبة فقد انتهت المباراة بالتعادل، كما ان عصمت معنى كان من المهاجمين الخطيرين ومكاراً. ٭ قلت له ماذا عن ضربات الجزاء؟ فقال: كنت دائماً أمسك ضربة الجزاء، والسبب في ذلك هو خداعي للاعب الذي عليه ان ينفذ ضربة الجزاء، طبعا ممنوع أن يتحرك حارس المرمى اثناء اللعبة، ولكني كنت اتحرك للأمام فأضيق المرمى على اللاعب وأمسك الكرة فيصفر الحكم ويعيد الضربة، وفي هذه اللحظة يكون اللاعب قد انهار وفقد الثقة في نفسه فيضرب الكرة في المكان الذي اقف فيه. احسن حارس: ٭ سألت ميرغني عما اذا كان يواظب على مشاهدة المباريات؟ فاجاب: نعم كنت أحرص على ذلك، واحسن حارس هو سبت دودو حارس الهلال ونمر محمد صالح حارس الكلية، وعبد الله فضل حارس الموردة. ضحايا: قلت له كنت تضرب الكرة دائما بيدك، وكان لك ضحايا كثيرون فأنت قوي الساعد شديد الضربة، وحدث مرة أن أردت ضرب احدى الكرات بيدك وكان يعدو خلفها عبد الخير ومن ورائه الصافي «باك الموردة» وخرجت لمواجهة الكرة رافعا يدك لصدها وفي هذه اللحظة زاغ الخير وكانت يدك من نصيب الصافي الذي طرحته الضربة على الأرض وخرج من الملعب متأثراً، وتوقف عن الكرة لمدة شهر. التحكيم: ٭ سألت ميرغني عن التحكيم في مقارنة ما بين الأمس واليوم؟ فقال: إن مستوى التحكيم في زمننا كان جيداً بالرغم من أن الحكام كانوا يهددوني دائماً قبل المباراة، وكان ابو العلاء يقول «لو رفعت يدك انا ح اصفر عليك اعمل حسابك والعب كويس». أمس واليوم: ٭ واثناء لقائي مع ابو ليمونة كان ود الزبير جالساً ينصت لما يقول، فسأل ميرغني قائلاً احسن الكورة زمان ولا هسع؟ فقال ميرغني: الكورة في هذه الايام احسن، خاصة التاكتيك الحديث والفهم الواعي لاصول الملعب، وإن كان لاعبو الماضي يمتازون بالعزم والاخلاق والتفاني في سبيل الفريق، الشيء الذي لا يوجد إلا عند القلة من لاعبي اليوم. ورداً على سؤال آخر لود الزبير قال ميرغني: إن علاقتنا كانت دائماً قوية خارج الملعب، ولكننا لا نعرف بعضنا في الملعب، واذكر مرة «يوم جمعة» ان تناول عبد الخير طعام الغداء في منزلي ثم اتجهنا للملعب لمباراة هلال موردة، وجاءت كورة عالية فضربتها بيدي التي صادفت عبد الخير ايضا فتألم منها، وعندما انتهت المباراة جاءني عبد الخير ليقول يا اخي انتوا ما عندكم عشرة، يعني نسيت الغداء والونسة في بيتكم، فضحكنا وتصافحنا. حداد: بقى أن نعرف ان العملاق المخيف الذي واصل لعبه في الجنوب حتى 7591م، يعمل حداداً بالنقل الميكانيكي، ويهوى قراءة الصحف والمجلات المصرية والسودانية ومشاهدة الأفلام.