الأخ العزيز الوزير كمال، يملؤه الحماس والاماني لجعل انسان وذهن انسان السودان في مصاف انسان العالم المتقدم والأكثر مدنية، فالتنمية الحقيقية هي الاستثمار في الثروة الإنسانية البشرية وليست في الامكانات المادية والعمارة وغيرها، نعم التدريب والتأهيل وامتحانات الترقي لازمة إلا انها ليست كل ما تحتاجه الموارد البشرية لصقلها والاستفادة منها في المنتوج الجيد وتجويد الخدمات. الأخ الكريم المجتهد، نرجو مراجعة أخطاء الماضي التي لم يكن لك دور فيها كما ورد في حديث الشيخ عثمان خالد مضوي حين قال: «بأن الانقاذ ارتكبت نفس اخطاء مايو في التطهير واقصاء الآخرين ودفعت ثمن ذلك غالياً إذ جاء الكثير من الناس إلى مواقع لم يكونوا مؤهلين لها تأهيلاً كافياً فدفعت البلاد ثمن هذا الاخفاق! مراجعة هذه الاخطاء بالاستفادة من خبرات القدامى الموجودين خارج الخدمة والهيئات والشركات ولا أذيع سراً ان قلت ان الخدمة في كل حكومة السودان من مدنية وعسكرية وقضاء وغيره حتى تستقيم الامور وتنساب الخبرات إلى الكثير من فاقديها من منسوبي حكومة السودان. لست من أهل الاختصاص في هذا الشأن ولكن هناك من الملاحظات التي لا تحتاج إلى التخصص ومنها ان بين كلمات الشيخ عثمان خالد الكثير والكثير ونجد كما من فاقدي الخبرات والتأهيل والتدريب في وظائف أكبر كثيراً من قدراتهم الذاتية فوجب الالتفات لذلك بكل حذر ودقة ومتابعة، السيد الوزير لديك الكثير الذي تستطيع فعله بدون ضوضاء أو تدخلات سياسية تفسد عليك كل خططك وما تنوي تقديمه من خدمات للسودان قاطبة وتسجل اسمك في سجل شرف الذين وضعوا الخدمة العامة في مسارها الصحيح وعودة ألقها القديم الذي كانت عليه، الخدمة العامة الموروثة من الاوربيين اصحاب ريادة العالم اليوم، التعاون والتنسيق والعمل مع وزارة التعليم العام والتعليم العام مهم جداً للوصول لهذه الغايات وتوجيه الموارد البشرية وتنميتها والاستثمار فيها منذ الصغر وتقوية عود الشباب بسلوكيات عملية وجدية وتغذيتهم بالروح الوطنية وحب الجماعة والانصياع للقوانين والاعراف المجيدة واللوائح المنظمة لاعمال المجتمع، مواصلة التدريب وحضور الدورات الحتمية وامتحانات الترقي للوظائف ليست وحدها المعول فعله اليوم نفسية واضحة المعالم ويتضح ذلك في عدم توفر الجدية اللازمة في اداء الاعمال حكومية كانت أم خاصة واللامبالاة في مراقبة وضبط العاملين وجودة أو رداءة أعمالهم، وللمساعدة في حل هذه المعضلة. أرجو فتح الأبواب وايجاد سبل الاتصال بمجاميع السودانيين الذين يعيشون ويعملون في دول المهجر والغربة وهم الذين تشبعوا بمرض الحنين للوطن ولا يجدون الشجاعة الكافية والتسهيلات والضمانات والخوف من عدم المواكبة وايجاد الوظائف لاستيعابهم فهؤلاء كم هائل نهلوا من سلوك المجتمعات المدنية المتقدمة (التقيد بالزمن، اتقان العمل، العمل بدون مراقبة، الجودة وحب العمل) فهؤلاء سيحضرون ومعهم كل ما اكتسبوه، والاهم اشاعة خبراتهم في وسط العمل وبث الثقافة العملية والعمالية التي اكتسبوها في مهجرهم وهناك العديد من الامثلة نذكر منهم الدكتور كمال عبد القادر وكيل وزارة الصحة الذي ادهش المسؤولين والمرؤوسين بأدائه، وكذلك الدكتور صلاح بلول اخصائي النساء والتوليد وغيرهم من الامثلة الناجحة، وهنا لا أقصد فقط حملة الشهادات العلمية بل وحتى الوظائف العمالية في كل المجالات ولو تعلمون ان مهنة النظافة تجري لها دورات خاصة وكذلك خفراء الحراسات! السودانيون شعب طيب ومنقاد والدليل نجاحات معظمهم في التكيف مع دول الغربة والمهجر والانصياع للقوانين واللوائح والاعراف والانضباط العام والعمل، بل التكيف مع العمل وبيئته و النجاح فيه أيا كانت الاعمال، ولكن من الذي يأخذ بيد سودانيي الداخل ويرشدهم إلى الطريق الصواب، طريق الاجادة والجودة واحترام العمل والوقت، وهل تعتقد سيدي الوزير ان دولة كالمانيا الاتحادية والتي هي من اعظم اقتصاديات العالم اليوم لا تملك غير الثروة البشرية المنماة في عقل الانسان والاهتمام به وتحسين شروط وبيئة خدمته واجورها ولا تملك من ثروات الارض شيئاً غير قليل من الفحم الحجري الذي اوقف التعامل به منذ فترة طويلة! التأهيل والتدريب واعتبارهم اساسا للقبول ومواصلة العمل في الوظائف العامة والخاصة شئ جيد واساسي ولكن الامر لا يحتاج إلى كم من السمنارات والمختصين بقدر ما يحتاج إلى تجنيب الخدمة الاعتبارات السياسية وسلوك السياسيين والولاءات وغيرها من سلبيات سلوك انسان هذا الزمن الصعب. سيدي الوزير أنت رجل هُمام يختلف معي أو يوافقني الكثيرون فانك من الذين تكرسون الوقت للعمل وتساهر الصباح لأداء مهامك ومهام غيرك ومهموم بقضية تنمية الموارد البشرية والخدمة العامة بل والخاصة ولقد تأذيت من جراء ذلك فنرجو أن تتعب نفسك قليلاً وتبحث عن اساطين الخدمة العامة وخبرائها من قبائل السياسة السودانية المختلفة فهؤلاء يخطرونك بمواقع الخلل وطرق الحل والعلاج وان تسخر الاعلام وجهاز العاملين بالخارج لمخاطبة السودانيين والاستفادة من خبراتهم وسلوكياتهم العملية الثرة وينشرون ثقافة سلوك العمل فالتربية والتدريب في السودان تتم عن طريق التقليد والقدوة فالمشكلة تقبع في انسان السودان وسلوكه العملي الذي تشوبه الاخطاء، بل نذهب لأبعد من ذلك ونقول في سلوكه العام الذي يحتم التنسيق مع وزارة التعليم والجامعات والعدل والشرطة التي تراقب وتنفذ القانون ولوائح الانضباط العام والسلوك العملي، وبصراحة شديدة نحتاج إلى كل شئ فالكثير قد انهدم ويحتاج للاصلاح وليس فقط الموارد البشرية، أعانك الله في انجاح جهودك وسخر لك نفر كريم من «ذوي الضمير الحي» فأنت وحدك لا تستطيع فعل شئ .. فالشيلة تقيلة.