على طول شارع النيل، وبعد ان تتوارى الشمس بحياء في سحائب الأصيل، ويكتسي المكان بلون الشفق، تبدأ الطيور رحلة العودة الى أوكارها الصغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه رحلة الأسر والأصدقاء والجمعيات والروابط والعاشقين الى شارع النيل، من قبل وزارة الصحة والى كبري النيل الأزرق مروراً بجامعة الخرطوم وكبرى القوات المسلحة الذي يصل بحري بالخرطوم، ووزارة التربية حيث يصطف السمار مجموعات وثنائيات، معلنين ثقافة جديدة بدأت تجتاح الخرطوم، ثقافة حياة الليل التي وأدها الرئيس الراحل جعفر نميري بقرارات كان أشهرها إغلاق محلات السوق الافرنجي ليلاً. وعندما يأتي المساء تضج الحياة في شارع النيل، حيث تتجمع الأسر لتخرج عن المألوف لتجد متنفساً وهواءً عليلاً بعد أن يفترشوا النجيل الأخضر، ويتحول «شاي» المغربية الى نزهة بالقرب من النيل الخالد، بجانب الجمعيات والروابط التي تجد ملاذاً آمناً يحتوي أنشطتها وبرامجها، ولا تخطئ العين جلسات الإنس والطرب «فالعود» سيد الموقف، فيتحلق الجميع بالقرب من الفنان، وفي الغالب يلتئم الشمل دون سابق معرفة تجمعهم أوتار العود وجلسة الاستماع، وايضاً يشكل «العرسان» حضوراً بهياً يجمل المكان، اقتربنا من العرسان موسى محمد توم وتهاني الإمام، لنسألهم عن اختيارهم للمكان، فكان رد العريس بأن شارع النيل من اجمل الأماكن في الخرطوم خاصة في المساء، حيث الخضرة والهواء الطبيعي، إضافة الى أن شارع النيل تربطني به ذكريات جميلة منذ ان كنت طالباً في جامعة الخرطوم كلية الآداب، فاخترت شارع النيل لأكون قريباً من الجامعة. وأصبح شارع النيل مصدراً للرزق يتكسب منه البعض خاصة في الأمسيات، وذلك بإيجار المقاعد والكراسي والفرشات، ونجد القهوة «الجبنة» الشرقاوية حاضرة، وبائعي القهوة بزيهم المميز وهم يمشطون شارع النيل يحملون «صينية» يتوقد فيها الجمر الذي توضع عليه أواني القهوة الصغيرة التي لا تستطيع ان تحمل في جوفها أكثر من ثلاثة «فناجين» فضلا عن بائعات الشاي وهن يفرشن النجيل الأخضر بالمفارش البلاستكية، بجانب مقاعد صغيرة مبعثرة هنا وهناك بالقرب منهن، بجانب الفول السوداني «المدمس» والمسلوق، وعيش الريف والتسالي الذي يجد سوقاً رائجة بين السمار. وبعد الخضرة والإضاءة أصبح شارع النيل منافسا قويا لكبري شمبات الذي ألف العابرون عليه مشاهد الراجلين من النساء والرجال وهم يمارسون رياضة المشي إما بدافع الرياضة او لتخفيف الوزن، فاستعانوا بالنيل والخضرة ووجوه حسنة أصبحت ترتاد شارع النيل في الأمسيات.