وضح جليا حالة التباعد بين شريكي الحكم عقب عودتهما نهاية الشهر الماضي من نيويورك فحالة التباعد لم تكن كسابقاتها فالكثير من المراقبين قالوا ان حالة التباين التي حدثت في نيويورك اصابت اكثر الاماكن تماسكا طوال الخمس سنوات الماضية في اشارة منهم لمؤسسة الرئاسة التي اهتزت اركانها ، وظهر الامر اكثر وضوحا في تصريحات النائب الاول سلفاكير عقب عودته وتأكيده بانه سيصوت للانفصال لامحالة في حديثة للصحفيين بمطار جوبا، وتشديدات نائب الرئيس بالخرطوم داخل مؤتمر صحفي بان الامور العالقة مثل الحدود واستفتاء ابيي لابد من حلها قبل الاستفتاء، كل تلك التصريحات كانت تبين ما ألم بالشريكين. ولكن خلال اليومين الماضيين حملت الانباء شيئا اخر جعل محدثي عبر الهاتف المحلل السياسي حاج حمد يرد سريعا « الرئيس طمنأ « لنترك تطمينات حاج حمد ونقرأ مايمكن تلخيصه من نشاط مؤسسة الرئاسة خلال ال48 ساعة الماضية « نائب الرئيس علي عثمان الي جوبا للمرة الثانية في اقل من اربع وعشرين ساعة « هذا ما جاءت به بعض الصحف الصادرة بالخرطوم والعديد من وكالات الانباء فبعد ان اختتم الزيارة الاولي التي توجت باتفاق بينه والنائب الاول سلفاكير قضى بوقف التراشق الاعلامي والسياسي وغفل عائدا للخرطوم ، اذا به يغادرها عند شروق اليوم الثاني متوجها للمرة الثانية الي عاصمة الجنوب في زيارة عنوانها المعلن هو حضور الجلسة الافتتاحية للحوار الجنوبي - الجنوبي ، لن نستعجل معرفة ما تحمله الزيارة الثانية وما تخفيه خلف عنوانها قبل ذلك يمكننا ان نتوقف قليلا في حمله خطاب الرئيس البشير بالبرلمان في دورة انعقاده الثانية امس ، فالرسائل التي حواها خطاب البشير متعددة ولجهات مختلفة ،ابرزها ما وجه جنوبا فالحديث عن امكانية مراجعة بعض بنود اتفاق نيفاشا بما فيها تطوير مسؤولية الجيش الشعبي وتطمينات الشعب السوداني باستقرار الاوضاع الاقتصادية حال الانفصال ،لم تكن النقاط الابرز لوحدها فمراجعة ملف السلطة في اطار جامع كما ذكره الرئيس يفتح الباب واسعا امام الكثير من السيناريوهات ، لنتفق اولا على ان الحوار الجنوبي - الجنوبي الذي عاد بنائب الرئيس للمرة الثانية لعاصمة الجنوب بمثابة الغطاء المحكم لما ستناقشه الزيارة، فالتسريبات التي حملتها صفحة اخبار الزميلة «السوداني» عن المطالب التي تقدمت بها الحركة الشعبية والتي علي رأسها نسبة 70% وبعض التعديلات في القوانين مقابل الوحدة « يمكن ان تشير قليلا الي اسباب الزيارة الثانية لطه ، حسنا فالحاج حمد اشار الي ان المؤتمر الوطني يستخدم الان خطة بديلة بعد ان فشلت مفاوضات ابيي في اديس ويدعم حديثه الي ان هناك بعض التطمينات من الدول الافريقية والعربية بجانب حالة الانقسام داخل الادارة الامريكية، معتبرا ان تلك الاسباب هي ما يتخذها المؤتمر الوطني لانفاذ خطته البديلة مرجحا امكانية حدوث وحدة، لكنه وصفها بالوحدة عن طريق الصفقة ، لكن بعض المراقبين ينظرون الي ان الخطاب الاخير للرئيس وتحركات علي عثمان الاخيرة تعمل في اتجاه اخر، فأمر الوحدة او الانفصال حديث لا يخوضه الطرفان بشكل مباشر، فالتركيز الان منصب حول أزمة ابيي وكيفية التعامل مع الحوافز الامريكية والتي تتجاوز مشاريع التنمية بالنسبة للمسيرية ، فالحافز الاكبر ملفاته ليست بالداخل كما يظن الكثيرون ، الا ان التدقيق في كل الخيوط المبعثرة وغير المتشابكة اليوم يقودنا الي طريق يمكن ان ننظر منه الي اين تتحرك سفن الشريكين ، فالنقاط التي تطرق لها الرئيس في البرلمان تكشف خطوات محسوبة واشارات متعددة اهمها امكانية النقاش حول نيفاشا التي لم يتبق من عمرها سوي 3 اشهر فقط ، لكن التلميح لمناقشة السلطة في اطار جامع له معانٍ كثيرة لم نجد اجابتها عند القيادية بحزب الامة وتحالف المعارضة الدكتورة مريم الصادق، التي اكدت عدم حصولهم علي معلومات ولم يتم ابلاغهم عن أي شئ ، لكنها اردفت نحن ننظر للوضع بمنظار الخير، قبل ان تضيف لكن هناك «جوطة شينة « الا ان ما لم يعتبره المحللون مجرد مغازلة من المؤتمر الوطني للمعارضة واتجهوا الي ان الخطاب الاخير للرئيس فيه اشارات كثيرة الي ان الحكومة يمكنها تقديم بعض التنازلات اذا احسنت المعارضة التقاط تلك الرسائل سريعا ، فالمسافة التي تفصل بين المعارضة والحركة من جانب والمؤتمر الوطني والحركة من جانب تصب في مصلحة الاخير. شئ اخر مهم لابد من الوقوف عنده فالحركة الشعبية التي تحاصرها هذه الايام الكثير من الاتهامات حول وجود خلافات ادت لتراجع اصوات مؤثرة جدا عن سطح ملعبها السياسي، هو بمثابة العامل المساعد لايصال الرسائل التي حملها خطاب الرئيس وانزالها للارض ، ودفع تحركات طه التي مبتغاها يتعدي تجاوز عقبة التاسع من يناير كثيرا، فالجنائية ووحدة البلاد بجانب ابيي كلها تصطف في طريق واحد الان تبدأ المحاولات لاصطيادها ، لكن قبل كل ذلك عادت مؤسسة الرئاسة مرة ثانية فبحر الاسبوع القادم سوف تعقد اجتماعها ومن هناك يمكن قراءة الامر اكثر وضوحا .