نهر النيل في السودان هل يصبح بؤرة صراع جديد؟! تمثل المياه جوهر الوجود واستمراره وتعد ايضا اكثر الموارد الاساسية تجاوزا للحدود السياسية دون الحاجة الى جواز سفر او تأشيرة فهي تدخل وتخرج في صورة بحيرات وانهار ومستودعات المياه الجوفية، وتربط بين شعوب وثقافات مختلفة وتخلق نوعا من التنافس بين الدول المستخدمة لهذه الاحواض.. فهل يا ترى تملك مياه حوض النيل قوة للسلام؟؟ ام بؤرة للصراع حيث ان السياسة بدأت تحدد المسار الذي سوف تتبعه تلك القوة. ويمثل حوض النيل أنموذجاً لذلك الترابط والتشابك حيث يجمع عشر دول هي ارتريا، السودان، اثيوبيا، كينيا، الكنغو، بورندي، تنزانيا، يوغندا، مصر، رواندا.. انعقدت فيها المؤتمرات وابرمت البروتوكولات وترجمت الاحلام والتطلعات حول تنمية حوض النيل فكانت «مبادرة حوض النيل 9991م» التي تشكل آلية انتقالية تهيئ للاقطار الواقعة ضمن حوض النيل شراكة اقليمية يتكافأ اعضاؤها للترويج لتنمية اقتصادية واجتماعية ومحاربة للفقر في دول الحوض، اذ رغم توافر الموارد الطبيعية في هذه الدول الا انها تعتبر من افقر دول العالم وقد بدأ حوار النيل منذ ستينيات القرن الماضي يهدف الى عمل مشترك يحقق تنمية مستدامة لهذه الدول فكان قيام المبادرة نقطة بداية مشتركة تجمع الفرقاء وعملت المبادرة (NB1) على عدد من المشروعات في مجالات مختلفة من تحسين الموارد المائية وتنشيط التبادل التجاري عبر حدود الدول المتجاورة.. ترقية البيئة الطبيعية للحوض والمحافظة عليها.. تبادل الخبرات والمعارف بين دول الحوض في المجال الزراعي وتحسين الانتاج.. التوثيق لرؤية مشتركة تلبي طموحات وآمال مجتمعات الحوض.. وساوت بين وجهات النظر المختلفة وابعدت الشكوك والخوف تجاه الآخرين وتبقى التوقيع على الاتفاق الاطاري فظهرت السياسة لتمنع التوقيع على هذا الاتفاق، ولم تتفق دول الحوض العشر ليحدث الانقسام الشهير حيث تجمعت ثماني من دول الحوض بجانب ليقف السودان ومصر بجانب آخر، ويتبعها السودان بتجميد عضويته في المبادرة في موقف انفرادي لا ندري هل كانت هنالك ضرورة له حيث بقي السودان منفرداً والآخرون في تصالح، وكانت تلك الدول ترى ان السودان يمثل واجهة مشرقة لافريقيتها الحقيقية بالثقافات والفهم المشترك والمصير الواحد، وقد انعكس هذا الموقف في مستويات أخرى مثل ملتقى اصدقاء حوض النيل الذي هو شبكة اقليمية تجمع منظمات المجتمع المدني تأسست بغرض تسيير ومشاركة منظمات المجتمع المدني في عمليات التعاون والتنمية في حوض النيل، وله سكرتارية مقرها يوغندا تدير عمل هذه المنتديات التي توجد في كل دول الحوض، حيث تحوي هذه المنتديات (746) منظمة مجتمع مدني كأعضاء، ولهذا المنتدى رؤية لحوض النيل آمنا ومؤمنا وتكون الموارد مدارة وموزعة على قدم المساواة والاستدامة ويستفيد منها الكل، حيث يرى الملتقى انه وبدون تعاون دول النيل ستكون هنالك مخاطر فيما يختص بعدم استدامة موارد النيل والتوزيع غير العادل وارتفاع وتيرة التوتر الاقليمي وحتى امكانية حدوث صراع يؤدي الى زيادة الفقر. وقد تم انشاء هذا الملتقى في العام 3002م بدعم كندي اضيف له دعم من وكالة العون الخارجي البريطانية لتوفير الدعم عبر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN). اجتمعت دول الملتقى العشر في الخرطوم في الفترة من 51 71 اكتوبر الجاري في الفندق الكبير ممثلة في (54) عضوا من الدول العشر وعقدت الجمعية العمومية لاختيار مجلس جديد للملتقى بعد انتهاء دورة المجلس السابق التي كانت برئاسة يوغندا حيث رئاسة المجلس كانت للبروفيسور افندولا، وكانت الآمال والطموحات ان يفوز السودان بمقعد هذه الدورة بما يعوض ويوازي تجميده لعضويته في المبادرة وابراز حدوده في اقليم حوض النيل، وتمت الانتخابات واجواء الخرطوم السياسية والاجتماعية لا حديث لها ليلا ونهارا الا عن الاستفتاء وانقسام السودان الى جنوب وشمال حتى ان رئيس الدورة السابقة «يوغندا» لم يستطع منع نفسه من ذكر احداث الاستفتاء في كلمته الافتتاحية، واستغل الآخرون كل هذه الاحاديث واداروا اللعبة بطريقة فيها خبث ودهاء وترجيح مصلحة بلدانهم على العلاقات التاريخية والمصيرية التي يتشدقون بالحديث عنها ليستبعد السودان من رئاسة الدورة وتذهب الى مصر للمرة الثالثة ويفشل السودان في اخذ الرئاسة ولو لمرة واحدة وهو الدولة الافريقية الاكبر مساحة، والتي يشقها النيل من الجنوب الى الشمال حيث ان اكثر من 66% من حوض النيل يقع في السودان. ويدور محور اللعبة التي اديرت انه اذا تم اختيار السودان كرئيس للملتقى سيكون هنالك موقف معقد من سودان جنوبي الى سودان شمالي، واستغل اصدقاؤنا خلافاتنا الداخلية وواقعنا البائس وخسرنا الرئاسة. ولا أرى في تقديري ان هنالك امل في ان يحرز السودان هذا المقعد في القريب العاجل، والامر في ان السودان لم تصوت له اي دولة افريقية واحدة من دول الحوض وصرنا معزولين ينظر الجميع الينا بشفقة ويحتار في واقعنا، ونحن سودان 76.. السودان الذي احتضن كل حركات التحرر الافريقي لم نجد من يلم شملنا. وكم كان فشلنا محزنا رغم ما قام به الملتقى في السودان من حسن التنظيم لهذا التجمع والذي يضم في اطاره الاقليمي والوطني علماء افذاذ كالدكتور معاوية شداد وبروفيسور عاصم مغربي وخبرات وطنية أخرى عملت في مجال المياه والبيئة لسنوات طويلة ولديها مقومات ان ترأس ملتقيات على مستوى العالم اجمع وليس تجمعاً اقليمياً فقط، ولكن كان خلاصة الحديث ان هنالك سودان شمالي وسودان جنوبي في الأفق وتدخلت السياسة في مياه حوض النيل لتعكره وتخلق جوا من الخوف والترقب على مصير الوجود السوداني في المحافل والملتقيات الاقليمية والعالمية ومصير البروتوكولات والاتفاقيات في اذا ما حدث انفصال والأدهى قادم. [email protected]