قرأت كل ما كتب عن أستاذي الجليل بعد عودتي في إجازة قصيرة للوطن.. فقد احتفظ خالنا العزيز علي عبد الله والذي كانت تربطه بالفقيد كثير من اواصر الصداقة والمحبة.. احتفظ بكل ما كتب عنه والذي يربو على العشرين مادة في الصحف سواء من الجمعيات الطبية والجراحية بتخصصاتها المتعددة ومن جراحي العظام وغيرهم، بل تتبع كل ما كتب عنه خارج السودان سواء في المملكة المتحدة او بعض الصحف العربية، ومنه ما كتبه الصحفي السوداني بابكر عيسى في صحيفة الراية القطرية بالدوحة، نعم ثم كتب عامودا كاملا عن مآثره تحت عنوان عميد جراحة العظام بالسودان. قرأت لكل هؤلاء ولكني لم أجد من كتب عن شخصية دكتور عبد الرحيم النادرة مهنياً وأخلاقياً.. وقد كتب بروفسير عبد السلام جريس عن بعض النواحي من شخصيته وكذلك كتب دكتور بشير البكري يرحمه الله.. لم يكتب احد عن علمه الغزير وجراحته المميزة والتي لا يعرفها الا الذين عملوا معه.. عملت معه حوالى نهاية السبعينيات من القرن الماضي وقد بهرتني شخصيته من نواحي جمة.. يحضر للعمل الساعة السابعة صباحا بالدقيقة ثم يقف منتظراً بقية الاطباء المساعدين له والطلبة، واذا تأخر احدنا او بعضنا فهو لا يؤنبنا على التأخير بطريقة مباشرة ولكن بسخرية تمتزج بالفكاهة فنضحك معه ونخجل من انفسنا وكان حريصا على تعليمنا كل شيء.. يشرح لنا كل كبيرة وصغيرة. بهرتني كثيراً طريقة اجرائه لعملياته.. كان يجريها بسلاسة وثقة كبيرة بالنفس.. والجراحة عنده كانت فناً راقياً.. كان مبدعاً يجري عملياته وكأنه يرسم لوحة لابد ان تكون مكتملة بلا شوائب.. كان كذلك موهوباً يجري جراحته باستعمال كلتا يديه اليمنى واليسرى بمهارة واحدة ولم أر مثل هذا حتى في أكبر مستشفيات اوروبا او امريكا.. وقد أجرى جراحات الظهر قبل ان يظهر هذا النوع من الجراحة كتخصص، وكم من مشلول مشى على يديه.. وأثناء العملية قد يدندن بأبيات من الشعر أو أغنية من الاغنيات التي كان يعشقها.. كان عالماً فذاً وقارئاً ممتازاً، يقرأ كل ما يصدر من جديد في عالم الطب والجراحة والعلوم المختلفة.. زيادة على ذلك كان يقرأ في السياسة والادب والشعر والتاريخ فقد كان موسوعة علمية بمعنى الكلمة. اكتسب حب الناس وودهم سواء من أصدقائه وزملائه وطلبته ومرضاه وأفراد عشيرته وأهله الكثر وذلك لاخلاصه في عمله ولحسن معاملته ومساعدته لكل من يقصده ولسخائه الجم ولتواضعه.. فلم يكن محباً للمادة أو المظاهر.. بل عرف بالبساطة والتواضع. الحديث عنه يطول ولكني اختتمه بهذه الابيات من قصيدة الشاعر المرحوم صلاح أحمد ابراهيم: يا منايا حومي حول الحما.. واستعرضينا واصطفي كل سمح النفس بسام العشيات الوفي الحليم العف كالانسام روحا وسجايا أريحي الوجه والكف اقتدارا وعطايا فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي بضمير ككتاب الله طاهر انشبي الاظفار في اكتافه واختطفي وأمان الله منا يا منايا كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر شرفي ألا رحم الله استاذي الجليل بروفسير عبد الرحيم رحمة واسعة وادخله فسيح جناته. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».