توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصابتنا لعنة النفط.. والعودة إلى «الكِسْرَة» كانت قبل عشرين عاماً..!!
الاقتصادي والخبير الدولي الدكتور التيجانى الطيب إبراهيم في حوار مع «الصحافة» «2 2»

٭ الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور التيجانى الطيب إبراهيم، من الكوادر الاقتصادية السودانية التي يُشار إليها بالبنان، ولد بود رملى شمالي الخرطوم بحري، وتحصل على الدكتوراة من جامعة كلون بألمانيا الاتحادية، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وقد التحق بالعمل فى البنك الدولى منذ عام 1976م، وعمل وزيراً للدولة بوزارة المالية إبَّان فترة الديمقراطية الثالثة 1986م، ونشط حينها فى توجيه السياسات نحو الاقتصاد السودانى. وفى فبراير 1989م قدم استقالته من الحكومة نتيجة للمضايقات التى مرَّ بها ويمم وجهه شطر صندوق النقد الدولي ليعمل خبيراً به إلى يوم الناس هذا.. وانتهزت «الصحافة» سانحة وجوده في رحاب الوطن هذه الأيام، وأجرت معه الحوار التالي لمعرفة رؤيته حول مجريات الاقتصاد السوداني بعيون الخبرة الدولية.. فإلى إفاداته:
٭ نستطيع القول إننا أصبنا بالمرض الهولندي «لعنة النفط»؟
بالطبع كده أصابتنا لعنة النفط، وهذا هو الذي حدث، وكل دول النفط أصابتها لعنة النفط، وفى نيجيريا بعد اللعنة النفطية اكتشفوا ان الغذاء اهم من النفط، فبعد عقود من الزمن بدأوا يراجعون سياساتهم عبر الرجوع الى الزراعة، ونحن بنفس الطريقة عندما جاء النفط تضاعفت ايراداتنا ثلاث مرات، فالذى حدث أن موارد النفط أعطتنا انطباعاً بأننا يمكن أن نشترى كل شيء من ادنى شيء الى اعلاه، وبسرعة تم توظيف موارد النفط فى الاتجاه الخطأ، فلو كان تم توظيف النفط وفق خطة لدعم الزراعة لمدة عشر سنوات كانت النتيجة ستكون افضل، ولكن هذا الأمر يحتاج لمنهجية واضحة واهداف محددة، ومتابعة ومساءلة ومراجعة وكوادر مؤهلة.
٭ العودة للكسرة هل هى دعوة لتصحيح المسار؟
لا اعتقد ذلك، فالكسرة أغلى من الرغيف، فلو دعمت وزارة المالية الكسرة واصبحت تكلفتها اقل من الرغيف، فقد يشجع ذلك المواطن على الاقبال على الزراعة، لكن هذا الأمر يجب ألا يكون مجرد إعلان، بل لا بد أن يتم وفق سياسة محددة كلية متكاملة وتوجه للدولة. واعتقد ان امرا بهذا الحجم لا يأتى الا فى اطار سياسات، ومازال المواطن يأكل الكسرة، ولكن الدعوة فى حد ذاتها يجب أن تتم فى إطار سياسات. وأقول إننا بدأنا هذه الدعوة قبل عشرين سنة بمقولة «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، والغريب فى الأمر أننا نعود لنفس المقولة بعد عشرين سنة، ونرجع بالاسطوانة مرة اخرى.
٭ تنظيم وضبط الاستيراد لتقليل الإنفاق ومنع بعض السلع من الدخول هل هذا وارد؟
المنع فى حد ذاته قمة «الردة»، ولكن السياسة الاقتصادية لديها من الآليات ما يكفى للوصول لنفس الهدف، فبدلاً من المنع يجب وضع ما يكفى من رسوم وضرائب وجمارك على السلع، بحيث لا يستهلكها الا المستطيع، ولن يستوردها إلا الذى يستطيع تسليكها بالسوق، كما أن ترشيد الاستيراد لن يتم عفويا، فاذا أرادت الحكومة الترشيد يحب أن تبدأ بنفسها، فهى التى تستورد اثاثا وعربات وسلعا استهلاكية ومواد انشائية، وهذا كله يؤثر على فاتورة الاستيراد. والسؤال المطروح هل الحكومة فى حاجة للكم الهائل من الاستيراد ام لا ؟ فكيف يتم الترشيد وهنالك عربات للمسؤولين فى الطرقات إحداها بمليون دولار؟ وهل هذه سياسة استيراد سليمة؟ فلا بد للحكومة ان تراجع كل سياساتها الاستيرادية، ولن تجدي العفوية، كما عليها البدء في مراجعة كل البنود الاستيرادية بنداً بنداً، وتبدأ بنفسها أولاً لتكون الرائدة فى مجال ترشيد الاستيراد.
٭ ماذا عن الإنفاق الداخلى على الوزارات الداخلية والأمن والدفاع ؟
هذا امر واضح، مثلا ميزانية 2010م حجمها 26 مليار جنيه، وفى مجال الانفاق نجده 32 مليار جنيه، واذا نظرت للايرادات والانفاق الجارى نجدهما «مال سايب»، وإذا نظرت للموازنة التشغيلية 29 مليار جنيه، تصبح لديك فجوة من الإنفاق الجارى نفسه الذى يمول عن طريق التسليف، فمعنى هذا ان التنمية 100% تمول عبر التسليف والاقتراض، ولا يوجد أحد حاليا فى العالم يقرض السودان، إلا المدخرات الحكومية التى توظف، بجانب الصين باعتبار أنها اشترت نفطاً، وهذا أيضا يأتي خصما على ايرادات مستقبلية، يعنى يؤجل الامر لمدى بعيد، فالانفاق الجارى هو مشكلة لن تتم معالجتها الا عبر معالجة الجهاز بالدولة المترهل، فمثلا لديك «77» وزيراً ونحن من المصنفين ثالث دولة من آخر قائمة الدول المتأخرة.
٭ حدثنا عن ديون السودان وإعفائها خاصة أن الموضوع طرح بنيوروك؟
إعفاء الديون عالميا له آلياته، ونيويورك ليست لها علاقة بالديون نهائيا، فمعالجتها تتم بطرق مختلفة، فهنالك ديون أسبقية غير قابلة للخصم أو الاعفاء وعلى الدولة دفعها اولا توطئة لمعالجة الديون الاخرى وهى «2» مليار دولار ديون لصندوق النقد ومليار دولار ديون للبنك الدولى، فاذا أردنا المعالجة فأول شيء نفعله هو أن ندفع هذه الديون، أما الخطوة الثانية أن تطلب الدولة من صندوق النقد دعوة اجتماع لنادى باريس تناقش فيه الديون الثنائية الرسمية «دون ديون الخليج»، ولكنك لن تستطيع الذهاب الى نادى باريس دون دعم سياسى. ونادى باريس لديه الحق فى الاعفاء جزئيا او كليا بشروط، ويضع آلية للتعاون مع بقية الديون، كما حدث فى العراق بدعم من اميركا التى ليست لها ديون على العراق، واستطاعت اقناع بقية الدائنين فى نادى باريس بإعفاء 80% من ديون العراق و30% «فتحة خشم» طوالى 30% عقب الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولى بمجرد الامضاء مع الصندوق، ومن ثم 20% بمجرد ما يتم التخلص من برنامج الاصلاح الاقتصادى الممضى خلال 3 سنوات والعراق فى حالة حرب. وتم حل مشكلة المديونية، وتم تخفيض المديونية من «120» مليار دولار لحوالى «23» مليار دولار، وأخذ القائمون على الأمر بالعراق قاعدة نادى باريس، وذهبوا الى نادى لندن المختص بالديون البنكية والمصرفية، وجلسوا مع نادى لندن بشروط نادى باريس، وتم التوصل لحل معهم ، وذهبوا للبنوك التجارية عبر شركات استشارية متخصصة، وجلسوا معهم واتفقوا معهم على شراء «17» مليار دولار «دين تجارى»، وتم حل مشكلة البنوك التجارية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، فدفعوا مقدما «كاش»، وتم حل المشكلة مع العراق. أما برنامج الهيبك فهذا مشوار طويل، ونحن لدينا قرابة ال «15» عاماً فى مسألة برنامج الإصلاح الاقتصادى المراقب بواسطة موظفى الصندوق وليس بواسطة مجلس محافظى الصندوق، ويتم الاتفاق عليه ويتم تنفيذه عبر الموظفين الصغار فى الصندوق. وفى رأيى أن هذا ليس لديه أى معنى ولن تستفيد الدولة منه، اما برنامج الحقوق المتراكمة فهو يعمل بعد عدة برامج مع الصندوق، وتأخذ عليه نقاطاً والنقطة تساوى مبلغا معينا وتعمل به حتى تجمع نقاطاً كافية تساوى دينك، وحينما يأتى للدين مجموعة من اعضاء الصندوق يقولون إنهم يدفعون للصندوق ديون البلد، والصندوق يستلم المبلغ ويعتبر الدين يبدأ من جديد بفترة سماح جديدة وشروط جديدة، لكن لا يعفى الدين باعتبار أن يتم تأجيل للمديونية فقط، وهذا برنامج طويل ويأخذ سنوات، وهذا جزء من العلاج، وحتى هذا ظللنا نعمل به لمدة «15» عاما، ولم نستطع اقناع الصندوق بالنقلة لبرنامج الحقوق المتراكمة، وظللنا نطلع وننزل مع صغار الأفندية على حساب السودان والاسطوانة مدورة.
٭ أنشأت الدولة برنامجا للتمويل الاصغر لمحاربة الفقر؟
هذا التمويل فى اعتبارى علاقات عامة فقط، ونحن لدينا درجة الفقر اكثر من 45%، وهو يحتاج لمليارات الدولارات، والتمويل الاصغر هو زخم اكثر منه على ارض الواقع، فاذا توفرت لديك امكانيات لتمويل اصغر من الافضل ان يكون لديك تمويل اكبر بالاستثمار فى قطاعات كبيرة وفى القطاعات الاساسية لحل المشكلة. فلماذا تلتف الحكومة حول مشكلة كبيرة ببرامج صغيرة. وفى رأيى علينا تغيير المعادلة والدخول باستثمار اكبر فى الصناعة والزراعة باعتبارهما المحور الاساسى للنمو، وتشغيل عمالة، فالتمويل الاصغر اأنا اشبهه بالزكاة.
٭ ما تحتاجه الصناعة فى السودان لم يتم التوصل اليه حتى الآن؟
الصناعة تم تكبيلها بسياسات خاطئة، منها سياسات ضريبية غير مشجعة وجمركية غير منصفة وسياسات استثمارية غير مشجعة، وبالطبع هنالك مشكلة. فالصناعة تحتاج الى تخفيف العبء الضريبى، والسودان من أكبر الدول التى تضع أعباءً ضريبية غير مدروسة على الصناعة، وهذا يبرر غياب الهدف الكلى، والأمر الثانى تسييس دور القطاع الخاص، وهيمنة نوعية معينة من الناس محسوبين سياسيا وليست لهم علاقة بالصناعة. ولذا فإن الأمر يحتاج إلى إعادة نظرة كاملة من الدولة وكيفية دعمه، وتخفيض الرسوم والضرائب على هذا القطاع.
٭ الخطى تظل متسارعة نحو الاستفتاء ومازالت مسألة النفط عالقة؟
كنت اتوقع أن تكون الرؤية السياسية حاليا اكثر وضوحا في كثير من القضايا فى هذا التوقيت. وقضية النفط من القضايا الشائكة التى كنا نأمل ان تكون فيها رؤية واضحة، فهنالك ضبابية فيها، فاذا نظرنا الى الأرقام والى ايرادات الدولة من النفط، نجد ألا احد يعلم إلى كم سوف تنخفض الايرادات لوجود تضارب فى الاحاديث، ولكن هذا هو الوقت الذى يجب ان تضع فيه الدولة سيناريوهات مختلفة لكيفية توزيع هذا المورد، وهل هنالك خط مستقيم للامر ام هناك معادلة تم الاتفاق عليها؟ والبترول فيه جانب استثمار كبير، فالموجودات لا بد أن يتم تقاسمها وفق معادلة معينة بين الشمال والجنوب. ومن المفترض النظر الى حالة الانفصال وكيفية التوفيق بين الفجوة التى تنشأ والإنفاق العام. ولكنَّ هنالك تضارباً فى الارقام وتضارباً فى التصريحات، وأنا اعتقد ان الحلول غير صعبة، والدولة واسعة وفسيحة ويمكن أن تسد الفجوة جراء الأمر.
٭ السودان غني بالثروات الأخرى التى يمكن الاعتماد عليها؟
نعم هنالك ثروات اخرى، ولكن الفترة المتبقية غير كافية، ولن تصبح بين يوم وليلة تلك الثروات ذات فائدة وانت تسعى الى الحل على المدى القصير، واذا كانت المشكلة فى الشمال جراء النفط فأنا لا ارى صعوبة، ولكن لا بد من وجود ارادة سياسية، كما لا يمكن أن تستمر الدولة كأن شيئا لم يكن.
وإذا توقعت الدولة أن سد الفجوة يتم عبر المواطن فلن يحدث ذلك، فالدولة لا بد ان يكون لها دور رائد، والاعفاءات الجمركية قد تخفض العبء بنسبة50% والباقى على الدولة، وعليها القيام بإجراءات معينة فى تخفيض الوزارات والانفاق الامنى، الامر الذى يمكن ان يقلص العجز، فالمشكلة التى تظل قائمة هى مشكلة الخدمات «التعليم والصحة» وحتى لو تمت معالجة الجانب المالى فلا بد من النظر للجانب الخدمى، فاذا اردنا تنمية لا بد من عودة الحياة للتعليم والصحة، فتستحيل التنمية دون التعليم الذى يعتبر الاساس. وكل تجارب شرق آسيا كان التعليم هو المحور الاساسى فى تنميتها، واصبح الاردن يصدر التعليم لكافة الدول، والسودان تعداده اربعين مليون نسمة ولا يصدر الا القليل، وقد نعالج الجانب المالى، ولكن المشكلات التنموية تصبح معلقة.
٭ معالجة المديونية بين الشمال والجنوب؟
لا بد من مناقشة هذه المسألة بين الطرفين، وهذه حتى الآن لم يدر نقاش جاد حولها، ففى نموذج يوغسلافيا مثلا فإن نقاش المديونية استمر لمدة «5» سنوات، واعتقد انها فى النموذج السودانى سوف تأخذ ايضا عدة سنوات للمعالجة. وفى اعتقادى أن هذه ايضا من القضايا التى حتى الآن لم يتم فيها حراك جاد، ولم أفهم كيف يتم استفتاء دون معالجة هذه القضايا التى يمكن أن تؤدى الى مشكلات وتنذر بحروب.
٭ وفى جانب آخر تم طرح خيارات لتداول العملة؟
اذا حدث انفصال فإن العملة ستكون مشكلة الجنوب، فإن أرادوا الاستمرار بالجنيه «حسب التصريحات» لا بد من دفع ايجار للدولة التى تستعمل عملتها، كما حدث فى ناميبيا بعد استقلت من جنوب افريقيا. حيث ظلت ناميبيا بعد الانفصال تدفع لجنوب إفريقيا مبلغاً معيناً متفقاً عليه، وفى نفس الوقت ترتبط سياساتك النقدية والمالية بالدولة التى تستعمل عملتها «الدولة الأم» وتكون مربوطاً بالدولة التى تستعمل عملتها، ولا اعتقد أن الجنوب سيكون هذا هدفه إذا تم الانفصال.
٭ ما هو رأيك فى الاتحاد الاقتصادى والجمركى مع الدولة الجديدة؟
اذا قامت دولة جديدة فإن مسألة الاتحاد الجمركى والاقتصادى ليست بالأمر الجديد لدينا، فنحن نتعامل مع شرق وجنوب إفريقيا فى إطار الكوميسا، وهنالك اتفاقيات ثنائية، وهذا أمر طبيعى وليس بمستغرب، وهذه قضايا طبيعية، والجنوب ليس استثناءً.
٭ الهيبة ظلت مفتقدة فى المؤسسات الاقتصادية والمالية؟
من أهم الأمور الاصلاحية إعادة الهيبة والهيمنة لوزارة المالية على المال العام، وللاسف الشديد تمت «شرذمة» مؤسسات المال العام والمؤسسات القائمة عليه، بحيث اصبح المال العام سائبا، وليست هنالك جهة واحدة تستطيع التعامل معه او جمع شتاته، فالمالية أصبحت «خزينة» واجبها الأساسى اصبح الجمارك والضرائب، اما بقية الاشياء فقد توزعت على مصالح وجهات ليست لها علاقة بالمال العام، فلا بد من هيمنة المالية على المال والموجودات العامة التى كانت جزءاً منها. ولأسباب ما تم اضعاف الوزارة وتهميش دورها وبالتالى «ساب» المال العام.
وثانياً إعادة النظر فى خصخصة المؤسسات العامة، بحيث تتاح الفرصة لهذه المؤسسات للعمل باسس تجارية، ولا تكون عبئاً على الموازنة العامة، فإذا نجحت فبها وإذا لم تنجح يأتى التفكير فى كيفية التخلص منها. ولكن يجب ألا تكون الخصخصة بالتنصل عن واجبات اقتصادية واجتماعية، كما أن موزانة العام المقبل لا بد أن تتحسب لكل السيناريوهات، وتكون هنالك موازنة إضافية فى حال فقد الايرادات الاساسية.
٭ لو كنت المسؤول؟
لو كنت المسؤول لقمت بالحد من الانفاق العام، ووضعه فى إطار المتاح من الموراد، بحيث انتقال الدولة من العجز فى الحساب الجارى فى الموازنة الى دولة لديها مدخرات فى الحساب الجارى فى الموازنة، بمعنى أنه لا بد من الرجوع بالإنفاق العام بأن يكون اقل من الايرادات، وايجاد مدخرات اضافية لتوظيفها فى مجال الاستثمار، والعودة بالاستثمار الحكومى الى القطاعات الحيوية الاساسية مثل الزراعة والتعليم والصحة باعتبارها محاور أساسية لإحداث تنمية حقيقية فى الاقتصاد والمجتمع، ورفع كفاءة الخدمة المدنية لأننا نعمل حالياً بالكم على حساب النوع، بحيث الأجور فى القطاع العام ما عادت تكفى لابسط الحاجيات للموظف لكن على حساب النوعية. واذا دخلت الى اى مكتب فإنك تذهل من كيفية التعامل مع قضايا المواطن، وهي على درجة من عدم الكفاءة، ونحن فى حاجة الى تحسين وضع الخدمة المدنية، وقد يتطلب ذلك اعادة النظر فى النظام الضريبى، بحيث يبقى لديه بعد اجتماعى تنموى، بمعنى تخفيف العبء الضريبى على المواطن والقطاعات الانتاجية سواء أكانت الضرائب المباشرة أو غير المباشرة. وهذا فى حد ذاته يعنى التقليل من الايرادات ومزيداً من الضغط على الإنفاق من الناحية الأخرى، وهذه معادلة لا بد من ضبطها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.