٭ فى الحلقة السابقة ناقشنا مع الشيخ المك وكيل المالية السابق مسألة الاقتصاد السودانى وتكويناته المختلفة، بجانب التدفقات الاستثمارية وسلحفائية القرارات والبيروقراطية المتبعة بدواوين الدولة، الى جانب كيفية التحكم فى الأسعار مع الزيادات التى صاحبت الزيادة في الأجور، فى وقت تزاداد فيه مديونيات الوحدات الحكومية على المالية، وعملية استثمار الحكومة في شهادات المشاركة الحكومية «شهامة» والبحث عن بديل لها لتخفيف العبء على المالية، بالاضافة الى تأثير دخول النفط على المستويات المتعددة، وترهل الانفاق الحكومى.. وفى هذا الجزء الثانى والاخير من الحوار أيضا عرجنا على مواضيع لا تقل أهميةً عن الاولى.. فلنرَ ماذا قال وكيل المالية السابق. ٭ وزارة المالية لم تفِ بالمديونية الداخلية، والسودان لم يف بالديون بالخارجية.. فما هو تقديرك للمديونية الخارجية؟ المديونية الخارجية للسودان تشكل حوالى 33 مليار دولار، اصل الدين منها 13 مليار دولار وال 20 مليار دولار كلها فوائد تعاقدية وجزائية. وحتى نسدد المديوينة دخلنا فى مبادرة الهيبك «الدول الأكثر فقرا المثقلة بالديون» وهذه المبادرة غربت عليها الشمس فى ديسمبر عام 2006م، وحتى يتم تطبيقها طلب منا ثلاثة شروط، الاول أن يكون الاداء الاقتصادى جيداً، وقد أصدر الصندوق تقريراً بأن الاداء جيد، والثانى اتمام السلام مع الجنوب، وقد تم ذلك. والثالث اعداد وثيقة برنامج محور الفقر، وبرضو عملناها.. ولكن حينما غربت الشمس على مبادرة الهيبك وضعوا شرطا رابعا جديدا وهو السلام مع دارفور، وهذه المسألة خطرة جدا فى حالة ان المجتمع الدولى لم يمد يد العون للسودان. وبالرغم من ان المبادرة السابقة طبقت على دول كثيرة مثل اثيوبيا ويوغندا، ولكن لاسباب سياسية بالنسبة للسودان لم تعفَ، وكلما نعمل «شغل» يأتى شرط جديد، وآخرها شرط سلام دارفور، ونحن نطلب من المجتمع الدولى أن يعفو هذه الديون، لأنها ديون اذا قورنت بعدد الصادرات فى عام واذا قورنت بالناتج المحلى الاجمالى فإنها تشكل ثلث الناتج المحلى الاجمالى، وإذا أردنا ان ندفعها علينا أن ننتج وندفع الديون فقط ولا نأكل ولا نشرب. ٭ هل المطالبة بإعفاء اصل الدين ام الفوائد؟ فى حالة الإعفاء قد يذكر أن كل الفوائد التعاقدية والجزائية تُلغى، وأصل الدين يُعفى بنسبة 60%، وتتم جدولة المتبقي من الدين، وطبعا إذا تم التوصل الى حل للمديونية ستنساب علينا قروض جديدة تحل لنا مشكلات كثيرة، وإذا رفض المجتمع الدولى إعفاء الديون يكون لدينا خيار واحد هو قسمتها مع الجنوب «فى حال اقرار الانفصال»، وهنالك طريقتان للمعالجة، أولاهما معرفة أين صُرفت هذه الديون، ولكن هذه أيضا قياسها غير صحيح ومن الصعب تفصيلها، والثانى أن توزع الديون بعدد السكان الشمال 80% والجنوب 20%. ٭ ولكن هذه الخيارات ألا تنطبق على الأصول التى قامت بعد اتفاق 2005م؟ نعم بنفس الطريقة تشمل الاصول، فهنالك حديث ان هذه الاصول توزع بين الشمال والجنوب، ولا تشمل الاصول الموجودة قبل اتفاق السلام. وفى اعتقادى ان توزع الاصول توزيعاً جغرافياً، مثلا مشروع الجزيرة وسد مروى بالشمال تبقى للشمال، واذا كانت هنالك آبار بترول فى الجنوب تبقى للجنوب وحده، واذا وجدت محطات كهرباء بالجنوب والسكة حديد تؤول ايضا للجنوب، وأيضا هنالك اصول للدولة ومساهمات فى كنانة وسوداتل، وهذه من الوعى بمكان أن يأخذ الجنوب نصيبه منها، والمقترح 20% بعدد السكان بنفس طريقة الديون، أما إذا أراد الجنوب استمرار نصيبه فى هذه المؤسسات فستبقى كما هى بعد معرفة نصيبه. ٭ ولماذا سوداتل وكنانة وليس مروى ومشروع الجزيرة؟ دائماً تقسيم الأصول يكون فى الاستثمارات التى تدخل فيها الحكومة، وهذه استثمارات للحكومة نصيب فيها «كنانة وسوداتل» ويجب أن تأخذ حكومة الجنوب نصيبها. ٭ ذكرت فى حديث لك بعض الآثار ايجابية للانفصال.. ما هى؟ من الايجابيات نقصان حدود السودان من ثمانية الى اربعة، وتحقيق رغبات أبناء الجنوب، وانتفاء أسباب الحرب التى ظلت مستمرة لمدة خمسين عاما. ٭ إذن ما هى عيوب الانفصال؟ بداية تقسيم السودان لدويلات أخرى وهذه ظاهرة سيئة، وكذلك الحال لبعض الدول الافريقية التى تشابه حالة السودان. وايضا الجنوب غير مستقر، والنزاع بين الجنوبيين يمكن أن يؤثر على الشمال، وقد تتم الهجرة الى الشمال بكثافة، بالإضافة إلى النزاع بين القبائل الحدودية، ولا قدر الله إذا تم الاقتتال تكون هنالك صراعات حدودية، وترسيم الحدود حتى الآن لم يتم، ولذلك إذا حدث انفصال لا بد ان يكون سلسا ومتدرجا، وفى الدستور نفسه الفترة الانتقالية ستة شهور، ونأمل أن تأخذ الفترة الانتقالية بعد الانفصال ثلاث سنوات وليس ستة شهور، كما نأمل أن تكون العملة واحدة، فحتى اليوم الاتحاد الأوروبى له عملة واحدة «عشرين دولة»، وهذا يعطى التكامل بين الاقتصادين، والتعامل بالتكامل بدولتين متكاملتين، وقد يأتى يوم وتحدث وحدة، ولذا يجب علينا ترك العملة واحدة، والسماح للجنوب بتصدير نفطه عبر الشمال مقابل جُعل معين. ٭ كيف ترى الفساد فى ظل تقرير المراجع العام لعام 2009م؟ تقرير المراجع العام ظل يتكرر كل عام بنفس الطريقة والنمط، واشارته الى ان الفساد بلغ «16» مليون جنيه فى اعتقادى رقم متواضع ولا يساوى شيئا فى نظر الموازنة العامة، واقول اذا قارنا انفسنا بمن حولنا فإننا اقل فسادا لوجود مجتمع أخلاقى. ٭ ولكن تقارير المنظمات الدولية تشير إلى أن السودان من أكثر الدول فساداً؟ هذه المنظمات تعتمد على تقارير المعارضة السياسية للحكومة، فى محاولة منهم لتضخيم الارقام بشكل غير جيد، ولكن تقرير المراجع العام بالرغم من انه غطى العديد من الأشياء الا انه اغفل أخرى وهى مبيعات ومشتريات الدولة. واحسب ان مشتريات الدولة فاقد ايرادي كبير جدا وبها فساد كبير وغير معلن وغير واضح، ولو استطاع المراجع العام فى العام المقبل اعطاء صورة واضحة لمشتريات الدولة لمدة سنة واحدة، سيتبين الامر اكثر بجانب الطرق التى تم اتباعها. لأننا نجد هنالك عدم تقيد بالطرق الرسمية فى حالة الشراء، وكان من المفترض أن يتم توضيح كل شيء على حدة. ٭ إذن هذا يوضح وجود فاقد ايرادى كبير للدولة؟ نعم هذا يفقد الخزينة نسبة كبيرة، واقول ان الفساد فى المشتريات الحكومية باعتبارها فاقدا ايراديا يقدر بنسبة 30%، باعتبار أن المؤسسة الحكومية اذا ارادت شراء سلعة من سوق السجانة مثلا، فإنها تجد هنالك عددا من الفواتير من مكان واحد، وهذا يأتى عبر المعرفة الشخصية والمحاباة. ٭ هذا جانب، والآخر منه عقودات لا تطرح للمنافسة، وتجنيب للايرادات.. ماذا تقول فى ذلك؟ أيضا نسمع عن العقودات التى لا تتم فيها المنافسة، وهذه من المسائل التى يجب على المراجع العام التدقيق فيها جيدا. اما في ما يتعلق بتجنيب الايرادات فقد قمنا فى السابق بحرب شعواء على التجنيب، ووصلنا الى ضبط كبير من الايرادات التى تجنب، وفى بعض الحسابات التجنيبات وجدناها وصلت لبعض الوزارات. وللأسف المراجع العام لم يذكر تلك الوزارات التى تعمل على التجنيب فى تقريره، حتى يقوم المجلس الوطني بدوره ويتخذ قراراً حيالها. ٭ وما هي الأشياء التى لم يتطرق لها تقرير المراجع العام؟ منها مسألة تمويل الميزانية العامة من مصادر أخرى غير الايرادات، مثل «الصكوك والسندات وشهامة» ولم يشملها تقرير المراجع العام، بجانب عدم تطرقه للميزان التجارى الخارجى المستهدف كم والفعلى كم؟ ولم يشر الى الصادرات بجانب اصول الدولة وعدد العربات بالوزارات. ٭ هل للمراجع العام سلطة تامة فى التصرف بأمر المراجعة؟ نعم لديه سلطة كاملة مخولة من رئيس الجمهورية، ويأتى بعد الجهاز التنفيذى والمجلس الوطنى، ومن ثم المراجع العام. ونأمل أن يأتي العام المقبل ويغطى كل الاشياء التى لم تغط. ٭ بالرغم من ذلك إلا أننا لم نسمع بتقديم احد للمحاكمة فى قضايا فساد؟ لا لا يتم التقديم للمحاكمة ولكن معدل التقديم ضعيف، فالمراجع العام لا يحاكم الاشخاص، فالذى يحاكم هو وزارة العدل، ويشير الى ذلك فى تقريره. وهنالك بلاغات اغلبها اما لدى النائب العام او التحقيق، وتأخذ وقتا طويلا، واذكر انه حينما كنت وكيلا للمالية كان يتم استدعائى للمحكمة وكأنك مرتكب جريمة، وهذا الذى يدعو الموظفين الى كراهية متابعة المحاكم، واغلب القضايا بوزارة العدل، اما التى تم الفصل فيها فلا تصل الى اثنتين او ثلاث. ويجب على وزارة العدل السرعة فى البت فى هذه القضايا. ٭ لا يوجد إقرار ذمة لاى موظف تولى منصباً قيادياً.. ما هى الدوافع ؟ حينما أصبحنا وكلاء تم استكتابنا بما نملك، والآن لا توجد استكتابات، كما أن إدارة الثراء الحرام بوزارة العدل أصبحت لا تسأل موظفاً او دستورياً، وبعد ما يترك الوزارة او الوظيفة لا يسأل. ٭ ما مدى صحة الحديث عن أن الايرادات خارج الموازنة أكثر منها داخلها؟ هنالك ناس صعبين جدا، فكرنا فى مسألة البطاقات الممغنطة باعتبار ان اى ايراد حكومى لا بد أن يتم عبر البطاقة وفى حساب واحد، فهنالك عدة جبايات وحاولنا نمنع هذه المسألة، وحاولنا نعالجها فى الصحف بأن أية معاملة مالية تقوم بها الحكومة لا تتم الا عبر اورنيك «15»، على ان تدخل فى حساب واحد، لكن هنالك أناساً يقفون أمام المسألة هذه ومستفيدون ولن يدعوا الامر ينفذ. ٭ ما رأيك هل يحتاج المراجع العام إلى مراجعة؟ لا المراجع العام لا يحتاج الى مراجعة عامة، بل يحتاج إلى توصيات عامة من قبل المجلس الوطنى، حتى لا يتكرر ذلك فى تقريره للعام المقبل. ٭ هل صحيح أن الإنفاق العام حجمه كبير خاصة للدستوريين مقارنة بالايرادات؟ نعم الانفاق العام حجمه كبير، والمواطن السودانى لو فرضت عليه ضرائب سوف يتحملها، ولذا لا بد من وضع سياسات واضحة. ومن ناحية نفسية إذا تمت إجراءات واضحة في ما يتعلق بصرف الدستوريين وتخفيضه فى الكهرباء والاتصالات والعربات، فإن هذه تبقى عوامل نفسية تساهم فى جلب مزيد من الايرادات، وحتى لو تم فرض ضرائب على المواطن فإنه يتقبلها باعتبار أن الحكومة نفسها قللت فى الانفاق على نفسها، وبذا يتأكد المواطن من أنه والحكومة فى سقف واحد، ولكن للأسف المالية لم تطبق هذا الاجراء حتى الآن. ٭ هنالك آثار مالية تترتب على الخزينة العامة فى حال الانفصال.. ما هى؟ سوف تفقد الخزينة العامة ايرادات بترولية تقدر بستة مليارات جنيه، وايرادات غير بترولية تبلغ سبعة مليارات جنيه، ويبلغ هذا الفاقد من إجمالى الايرادات القومية نسبة «33%»، ولكن ايضا الانفصال يوفر ما قيمته «4.55» مليار جنيه عبارة عن تحويلات سنوية لحكومة الجنوب، وصرف قومى على الاجهزة القومية بالجنوب، والصرف على المفوضيات والصرف القومى على مشروعات التنمية بجنوب البلاد، وهذا التوفير يبلغ «22%» من اجمالى الانفاق العام. ٭ ولكن ألا توجد آثار على ميزان المدفوعات باعتبار أن النفط يشكل نسبة كبيرة للميزان؟ نعم سوف يتأثر ميزان المدفوعات ويفقد عائدات صادرات بترولية تصل لحوالى «9.5» مليار دولار، بافتراض أن البترول المنتج فى الشمال يستخدم محليا فى المصافي المحلية والبترول المنتج فى الجنوب للصادر، كما أن نصيب الشركات العاملة فى مجال النفط المصدر يقدر بحوالى «2.9» مليار دولار، أى نسبة «30%». ولذا فإن صافى الدخل لميزان المدفوعات يبلغ «6.6» مليار دولار، ويعادل الفقدان من صادرات البترول حوالى سبعة اضعاف الصادرات غير البترولية، بما فيها الذهب والايثانول والصادرات الزراعية من المحاصيل والثروة الحيوانية. ٭ طيِّب إذا أردنا تقليل هذا الأثر بالوصول مع حكومة الجنوب إلى تسوية ما بخصوص الصادر.. ما هو المتوقع؟ المتوقع إذا استمرت حكومة الجنوب فى الاعتماد على نقل البترول عبر خطوط النقل بشمال السودان عبر ميناء بورتسودان بواقع أربعة دولارات للبرميل، يكون العائد لحكومة الشمال حوالى «640» مليون دولار فى العام، مما يقلل من النقص فى ميزان المدفوعات من «6.6» مليار دولار الى «6» مليارات دولار، واعتقد أن هذا أثره ضعيف. ٭ إذن كيف ندعم موقف الصادرات غير النفطية لأجل ميزان المدفوعات؟ لقد تباطأت الحكومة في زيادة الصادرات غير البترولية، وهذا ما أظهر الأثر الحالي، ولولا ظهور الذهب المنتج محليا لكانت صادراتنا غير النفطية مخجلة، والآن بعد ظهور الذهب والتعدين غير الرسمي فقد زادت الصادرات غير النفطية إلى مليار ومائتي مليون جنيه.