ترتيب الاولويات كل حين وفق المستجدات هو من أبجديات علم السياسة رغم ان كثيرا من الساسة لا يلتزمون بهذه القاعدة الاستراتيجية. من البديهي القول انه منذ الآن وحتى التاسع من يناير 1102م سيكون الاستفتاء هو البند رقم واحد على كل قوائم الاولويات المعنية بالشأن السوداني، وصار من المتفق عليه أن الحدث هو الأكبر أثراً على الحياة السياسية السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، كما أن ردات فعله ستكون ايضاً ذات ابعاد وآثار كبيرة قد يصعب التنبؤ بها الآن. كان إذن لزاماً على المجتمع السياسي وخاصة الاحزاب السياسية أن تعيد رسم استراتيجياتها وفق هذا المنظور والتعامل مع الواقع الماثل. والاحزاب الاتحادية التي تشكل مجتمعة كتلة ضخمة من مجمل المكون للمجتمع السياسي السوداني هي ايضاً معنية بالتعاطي مع هذا الواقع الذي لا يختلف المعنيون بالامر على انه استحقاق وطني قبل ان يكون حزبياً. من هذا الفهم لمحركات هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد تنادت الاحزاب الاتحادية وبعض الفصائل والتيارات الفاعلة داخل النسيج الاتحادي، تنادت الى دفع هذا الاستحقاق الوطني بالدعوة الى لقاء قمة يجمع رؤساء الاحزاب والقيادات الاتحادية لبحث الشأن السوداني بكل تطوراته والتي تشير دائماً لتجدد أزماته بصورة غير مسبوقة وترفع درجة حرارة المناخ السياسي في تصاعد محموم ومنذر بكل أسباب التخوف والخشية من انفجار الاوضاع. الصيغة التي رسمت لهذا الاجتماع هي في حد ذاتها جديدة بدءاً بتسميتها «بلقاء قمة» باعتبار ان دواعي الموقف في البلاد تحتاج لأعلى درجة من قيادات التنظيم السياسي في الاحزاب الاتحادية من وجهة نظرهم على الاقل... لحق جبهة اتحادية باستراتيجية تنسيق كامل نحو قضايا البلاد التي تشكل الأزمات التي وصلت حد تهديد استقرار كيان السودان كدولة وحتى كمجتمع، وصار التخوف من الانهيار الكامل له من الدواعي والتحسبات ما يبرره تماماً. أهم ما يميز هذه الاجندة هو اسقاطها للخلافات الشكلية التنظيمية بين هذه المؤسسات الاتحادية والتي هي أصلاً غير مبررة أو متجذرة لانتفاء الخلافات على أسس فكرية أو مناهج وبرامج سياسية، حيث أن التعدد الحادث الآن بين هذه التكوينات الاتحادية هو نتاج مباشر لفترة الغياب الطويل عن الساحة السياسية نتيجة الاقصاء من قبل «الانقاذ» طوال سني حكمها وحتى بداية الانفراج بعد 5002م وسلام نيفاشا. وصحيح أن أجندة الاجتماع الاساسية هي التنسيق للخروج بمواقف محددة حول القضايا العاجلة من الاستفتاء ودارفور وقضايا الحريات وحالة الاحتقان والتوتر التي تسود الآن، لكن المراقب يعلم أن توحيد مواقف الاحزاب الاتحادية وخروجها بمخرجات ورؤى متوافقة سيشكل في حد ذاته صمام أمان ورسالة مطمئنة للشعب السوداني مفادها أن الجزء الأكبر من الجبهة الداخلية يمكن ان تتصدى لأي عوامل مهددة للانهيار الكامل وان هذه الجبهة بتماسكها واجماعها على الاجندة الوطنية التي تتفوق وتسمو على الاجندة الحزبية ستكون هي الملاذ الاخير وبوليصة التأمين لكل الشعب السوداني ضد اخطار التفكك والسقوط في هاوية الدمار الشامل والزوال والعياذ بالله. اجتماع القمة الاتحادية في حد ذاته سيشكل ايضاً رسالة ضمنية بل ومباشرة لكل الاتحاديين خاصة ولعموم فئات الشعب السوداني بان مجرد اللقاء هو كسر لحاجز نفسي توّلد لدى الكثيرين بأن لقاء القيادات في حد ذاته هو مهمة مستحيلة، ولعلنا نتفاءل ونقول ان هذه القمة يمكن ان تصبح بداية طيبة ومنصة عملية للانطلاق نحو مزيد من الايجابيات نحو استعادة حزب الحركة الوطنية وحزب الوسط الاكبر لدوره التاريخي باستجابته لدواعي تأمين وحدة الجبهة الداخلية والضامن الرئيسي للحد الادنى من الاستقرار الاجتماعي والامني عبر تماسك الجبهة الداخلية. ولسنا في حاجة للتذكير بان استقرار الشمال سواء في حالتي الانفصال او الوحدة هو الضامن القوى والحقيقي لاستقرار الاحوال في الجنوب غض النظر عن نتيجة الاستفتاء القادم. وبنفس المنطق وليس من قبيل الاحلام، فان ما ينطق على الجنوب يمكن ان ينطبق على أزمة دارفور وتداركها قبل فوات الاوان. اجتماع القمة في دار الزعيم الازهري السبت القادم ليس من باب الاحلام والتمني ولا هو تغريد خارج السرب، ان كان هناك سرب حقيقة، وانما هو حقيقة إنزال على الارض للإرادة الوطنية السودانية الحقة التي تتماهى مع الواقع شمالاً وجنوباً وفي كل الاتجاهات حيثما وجد الاتحاديون.