بعد كثير من التكهنات والتوقعات بمشاركة حزب الأمة القومي المعارض في الحكومة العريضة، التي ظل المؤتمر الوطني الحاكم يبشر بها عقب انفصال الجنوب في 9 يوليو الماضي في كثير من المناسبات، وانه يسعى لتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات التي تجابه البلاد، وقول قيادات كثيرة من الوطني، إن حزبي الأمة والاتحادي هما الاقرب له فكرياً وان الحوار معهما قطع شوطاً بعيداً وأن الخلاف بينهما محدود، أعلن الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، نأي حزبه عن المشاركة في أجهزة ومؤسسات مسؤولة، وقال في خطبة صلاة الجمعة الماضية من مسجد الانصار بود نوباوي بأمدرمان، إن هذا أمر لا يشبه كيانه السياسي. وأوضح المهدي أن المشاركة الصورية لا تزيد الوطن إلا خبالاً على حد وصفه، وأضاف ان حزبه سيحدد افضل الخيارات حال استحالة التجاوب مع خطة حزبه الرامية الى تحقيق الاجندة الوطنية، داعياً الى هندسة نظام سياسي جديد، ينقل البلاد من دولة الحزب الى دولة الوطن، وسياسات جديدة توقف الاقتتال وتصلح الاقتصاد، وتعقد تصالحاً عادلاً مع الأسرة الدولية، وحذر المهدي في الوقت ذاته، من أن خيار الانتفاضة التي تدعو لها قوى سياسية، ولا سيما الشبابية، وهي تستلهم ثقافة الانتفاضة السودانية والعربية المعاصرة لإسقاط النظام يمكن أن تنتج نموذجاً عنيفاً كما يحدث في سوريا وليبيا واليمن، دون أن يكون في سلاسة ثورتي اكتوبر وابريل السودانيتين، بينما روشتة زحف الأطراف المسلحة نحو مركز الحكم في الخرطوم، تقود إلى النموذجين الرواندي والبورندي، بين قبيلتي الهوتو والتوتسي على حد قوله. ظل الحال في الصحف وغيرها غامضاً ولم يتجاوز توقعات وتكهنات، تقول الصحف إن مصادراً موثوقة أكدت لها مشاركة الحزب «المعين» في الحكومة العريضة، لكن حزب الأمة بصورة عامة ورئيسه بصفة خاصة، كما يقول متابعون، ظل يتحدث ومنذ انفصال الجنوب عن قضايا تتعلق بأزمات البلاد الخانقة وقضايا يقول إنها جوهرية، محذراً المؤتمر الوطني وحكومته في كل مرة من مغبة سياساته، في الوقت ذاته الذي وجه فيه انتقادات لاذعة لقوى المعارضة، خاصة في ظل انتقادات ظلت الاخيرة تواجه بها (الحزب الاستقلالي)، كونه يرفض خيارات قوى الاجماع الوطني الداعية لإسقاط النظام، ووضعه تشخيصاً في اكثر من مناسبة لازمات البلاد وخريطة الطريق التي يجب اتباعها للخروج من زنقات البلاد على حسب تعبيره قبل نحو شهرين، وكان ما تطرق إليه زعيم الانصار في ما يخص المشاركة في الحكومة، ومنذ فترة طويلة هي حكومة قومية تضم جميع ألوان الطيف السياسي، لتشارك في صناعة القرار السياسي، وليس الجلوس مع المؤتمر الوطني في حكومة يكون هو المحرك الاساسي لها، لكن مع تطورات الاحداث الحالية، ووقوف السودان على حافة أزمة سياسية قد تعصف به، لاسيما الانشقاقات التي طالت غريمه السياسي الحزب الاتحادي الديموقراطي بسبب الجدل الذي دار داخل اروقة الحزب، في المشاركة في الحكومة العريضة أو عدمها ما تسبب في ثمن يبدو باهظاً، يحاول حزب الامة تجنب ذات المنزلق الذي أصبح يسير بسفينة الحزب الاتحادي الديموقراطي على غير هدى كما يقول مراقبون، في وقت أبلغت فيه مصادر موثوقة ( الصحافة)، ان مجموعة مؤثرة داخل حزب الامة ترفض الحوار مع الحزب الحاكم من أساسه، وهناك تخوفات من أن يؤدي قرار الحزب بدخول الحكومة أو تجنبها لانشقاق داخل الحزب الكبير، في الوقت الذي سيناقش فيه المكتب السياسي في اجتماع عقد (امس) نتائج الحوار مع المؤتمر الوطني. مساعد الأمين العام لحزب الامة القومي، وعضو المكتب السياسي، ياسر جلال، يقول إن حزبه لن يشارك في أية حكومة عريضة، وأنه لم تتم دعوتهم بتاتاً للمشاركة من قبل المؤتمر الوطني في أية حكومة، وان ما يثار من حديث عن مشاركة حزبه فيها هو من خارج الحزب، وان الجميع داخل الحزب يؤمنون على عدم المشاركة. وأوضح جلال في حديثه ل (الصحافة)، عبر الهاتف أمس، أن موقفهم السياسي برمته يندرج في قائمة الأجندة الوطنية التي يشدد على انها خط الحزب السياسي الاستراتيجي، ويقول عضو المكتب السياسي في ما يتعلق، بتصورهم للمشاركة في أية حكومة، عن طريقين لا ثالث لهما، وهما إما انتخابات حرة وديموقراطية ونزيهة، ليست كالتي أجريت العام الماضي، أو حكومة قومية تضم كافة القوى السياسية الوطنية، في نفس الوقت الذي يقول فيه، إنهم لم يتخلوا عن مسار قوى الاجماع الوطني، غير انه قال إن قوى الاجماع الوطني لا تختلف معهم حول الاجندة الوطنية، لكن حزبه يعتقد بأن الحوار مع جميع القوى السياسية آلية سياسية يعمل بها الحزب. وأضاف جلال، أن الحوار سيستمر مع المؤتمر الوطني، وأنهم سبق وتقدموا بمقترحات لهم وفي انتظار رد المؤتمر الوطني على تلك المقترحات، وفي ذات الاتجاه، قال جلال، إن الإمام الصادق المهدي سيلتقي الرئيس البشير، على ذات اجندة الحوار، من غير ان يحدد موعداً لأي الأجلين، ونوّه عضو المكتب السياسي، إلى أن على قوى الاجماع الوطني، عدم تقوية حزب المؤتمر الوطني الحاكم، من خلال تبني أن حزب الأمة القومي، يتبنى مواقفَ تبدو مخالفة للمعارضة، أو غير ذلك، وأكد جلال أن خطبة الإمام الصادق المهدي الجمعة الماضية، وقطعه بعدم المشاركة، في حكومة القاعدة العريضة، لا علاقة لها بتخوف حزب الأمة من أية انشقاقات، قد تحدث جراء مشاركته في ذات الحكومة أو عدمه، وأن حزبهم سيكون متماسكاً ولن تحدث به أية انشقاقات مهما كانت نتائج حوارهم مع الوطني، لافتاً إلى أن الوضع في الحزب الاتحادي الديموقراطي يختلف عما هو موجود داخل حزب الأمة، وأشار إلى أن الحزب الاتحادي الديموقراطي يعاني من أزمة مؤسسية في داخله، متأسفاً في الوقت نفسه على ما حدث داخل البيت الاتحادي من انشقاقات، وزاد أن الانشقاقات التي تحدث من سبيلها التأثير على الواقع السياسي بشكل سلبي لا سيما وان الاتحادي الديموقراطي حزب كبير ومهم كما يقول محدثي. من جانبه، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة أمدرمان الإسلامية، البروفيسور، صلاح الدين الدومة، وجه انتقادات حادة لزعيم حزب الامة القومي وإمام الانصار الصادق المهدي، متهماً إياه بعدم الاهتمام بمصلحة الحزب، السياسية، وقال إنه يغلب مصلحة عائلته على مصلحة الحزب، وأضاف الدومة ان مشاركة الحزب في الحكومة العريضة ستساهم في تخفيف الضغط على النظام الذي قال إنه آيل للانهيار، وأن المشاركة ستكون ذات فائدة إذا كانت على أسس سليمة وهذا ما لا يتوفر حالياً كما يقول، وقال إن هذا الموقف الذي اتخذه زعيم الحزب ينسجم مع مصالحه الشخصية ومصالح أبنائه داخل الحزب، وتأتي مصلحة الحزب في الدرجة الثالثة، وأخيراً تهمه مصلحة الوطن على حد قوله. وأوضح الدومة في حديثه ل (الصحافة) عبر الهاتف أمس، ان قرار حزب الأمة في عدم المشاركة في الحكومة العريضة نهائياً، ولفت إلى أن الإمام الصادق المهدي، يهمه في المقام الأول مصلحته الشخصية، وهذا ما ينفي الاجندة الوطنية التي يتحدث عنها، مرجحا ان يكون المهدي اخضع قراره من المشاركة وعدمها لتقديرات تخصه ولا تخص الحزب، وقال ان ما تبناه في خطبته، لا يعدو أن يكون ضغطاً سياسياً في محاولة منه ليتحصل على بعض الأموال من المؤتمر الوطني على حد قوله. وأوضح الدومة أن إعلان عدم المشاركة في الحكومة العريضة، ليس خوفاً من الانشقاقات بالدرجة الاولى كما حدث في الحزب الاتحادي الديموقراطي، وإنما الداعي له تخوفه من تداعيات مشاركة أو عدم مشاركة الاتحادي الديموقراطي سلباً، أو إيجاباً على حزبه.