لا أدري لماذا يصبح الحديث عن تأجيل الانتخابات مثله مثل «الشينة المنكورة» ...ولماذا تُدمغ القوى السياسية التي تطالب بالتأجيل بأن شأنها هو شأن التلاميذ الخائبين الذين يتهيبون الامتحان ويهللون لتأجيله؟ الانتخابات هي امتحان للوطن قبل الأحزاب والقوى السياسية، ولا بد أن يسعى الجميع لتمكين الوطن من بلوغ الآمال المعقودة على هذا الامتحان بالشفافية وتكافؤ الفرص المطلوب. ويخطئ من يظن أن الانتخابات هي غاية في حد ذاتها، فهي وسيلة لبلوغ الحكم الراشد الذي يتوافق عليه معظم أبناء شعب السودان، ورشد الحكم محكوم بإطفاء ألسنة النيران وبسط السلم والأمان والتوزيع العادل للثروة والسلطة والتنمية، إلى جانب تداول السلطة تداولاً سلمياً، فإذا أبان الاستقراء السياسي المسبق صعوبة إدراك هذه الغايات، فإن الوسائل ومن بينها الانتخابات تصبح فعلاً سياسياً غير متبصر وغير متزن. حزب المؤتمر الوطني يصرح علانيةً ويزحم الأفق السياسي بضرورة وحتمية قيام الانتخابات في موعدها، وهو الذي يدمغ بقية القوى السياسية بالارتعاش وتهيب الانتخابات، الا أنه في قرارة ذهنه السياسي يدرك جيداً أن المستجدات على المسرح الدارفوري تتطلب تأجيل الانتخابات، ولكن من باب المزايدة السياسية فإنه ينتظر من القوى السياسية أن تقول «الروب» في حين يحتفظ لنفسه بمظهر التلميذ المثابر الذي لا يتهيب الامتحان. إن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين الحزب الحاكم وحركة العدل والمساواة يجعل كل عاقل يساءل نفسه: كيف السبيل إلى تحقيق مطالب الحركة في اقتسام السلطة والثروة وإعادة ترسيم الشكل الفيدرالي لإقليم دارفور والانتخابات على الأبواب؟ كيف يتأتى هذا والكل ماضٍ في الاحتكام لشرعية انتخابية، بينما الحركات خارج إطار هذا الاحتكام؟ وهل من الممكن أن ترضي هذه الحركات بصفة «المراقب» طوال الفترة القادمة التي تعقب الانتخابات دون أن تشارك في فعلها السياسي الذي سيحدد مستقبل الوطن ووحدته..؟! فمن السذاجة تنويم العقل السياسي على فرضية تقول إن مآلات اتفاق الدوحة الدارفوري وقيام الانتخابات في موعدها هو أمر ميسور يمكن تحقيقه وانجازه. هذا مأزق حميد يمكن تجاوزه بتأجيل الانتخابات جزئياً أو كلياً إلى نهاية العام، ومن يزايد في هذا الأمر نقول له «الله شافوه بالعين ولا عرفوه بالعقل»..؟!