نحن الآن أمام تجربة سياسية فريدة يُقاس بها تحضر الدولة في مسارها السياسي، ألا وهي كسر احتكار السلطة، واللجوء للقاعدة الجماهيرية لاختيار ممثليها على المستوى الرئاسي منها، والتشريعي، والولائي، عن طريق إقامة الانتخابات العامة في أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من هذا الشهر، عن طريق المنافسة الحرة بين القوى السياسية، حيث يجب أن يكون التنافس فقط على التجرد الكامل من البعد عن المصالح الشخصية والحزبية والفئوية.. بل يجب أن يكون ذلك منصباً على انجاز المتطلبات الوطنية الكبرى، لتحقيق وتنمية العدالة الاجتماعية، والتحرر والحفاظ على الهوية السودانية، وإزالة كل أوجه الاحتقان الطائفي، والعرقي، والديني، وغيرها من تلك الممارسات السالبة، بعيداً عن الصراعات السياسية التي لا تخدم الوطن أو المواطن بالقليل أو الكثير، بالمواقف الانصرافية عن تحقيق الأهداف السامية لهذه التجربة التاريخية. إن الدولة السودانية مهيئة في الوقت الحاضر إلى طفرة كبرى في مجال التنمية الاقتصادية، بعد استتباب الوضع السياسي وتحقيق التجربة الديمقراطية، ونشر فضيلة التسامح والعدالة الاجتماعية، على أساس المواطنة، ومعلوم أن الدولة لا تنهض، ولا تتقدم، ولا تزدهر، إلا عن طريق تحديث نظمها السياسية، ومؤسساتها التشريعية، والقانونية، والتنفيذية، ومؤسساتها الاقتصادية، وإزالة كل أوجه المعوقات البروقراطية، التي كانت ومازالت تحول دون تقدم وإزدهار الدولة السودانية، من فسادٍ وتعدٍ على المال العام، وتعويق انسياب الاستثمار الأجنبي في البلاد. إن الصراع الذي يدور حالياً حول إقامة الانتخابات والدعوى لتأجيلها، قد لا يؤدي إلى العبور إلى مرفأ الديمقراطية وأسس مبادئها المطلوبة، وأن المنادين بتأجيلها قد أخفقوا الهدف الذي كانت تنادي به بعض القوى السياسية، منذ أمد بعيد، ومحاربة حكومة الإنقاذ من أجل ذلك الهدف بشتى وسائل العداء. ونحن الآن على أبواب إقامة الانتخابات للتحول إلى الحكم الديمقراطي، فما هي الفوائد التي ستجنيها المعارضة من تأجيل الانتخابات؟ علماً بأن قيام الانتخابات هو أحد الشروط التي نصت عليها اتفاقية نيفاشا، بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني.. فلا تستطيع المعارضة تعديل أي من بنود الاتفاقية إلا بموافقة الشريكين، وعليه فإن إقامة أو تأجيل الانتخابات بات مرهوناً بموافقتيهما وموافقة مفوضية الانتخابات، وأن استمرار حكومة الوحدة الوطنية في حالة إذا تم التأجيل ستمكن المؤتمر الوطني بمزيد من الزمن، ومزيد من الانجاز، ومزيد من التمكين، الأمر الذي يعمل على مزيد من عوامل اضعاف المعارضة في التنافس في أي انتخابات قادمة.. وبهذا قد تفقد المعارضة الكثير من قواعدها، وجماهيرها الانتخابية، كما أن حزب المؤتمر الوطني قد ربط تأجيل الانتخابات بتأجيل الاستفتاء في تحديد مصير جنوب السودان. ومن واقع شروط تطبيق اتفاقية السلام التي نصت على قيام الاستفتاء بعد عام من إجراء الانتخابات، وهذا الأمر سيلقي قبولاً من الحركة الشعبية التي تصر على إقامة الاستفتاء في العام 2011م. ومن واقع هذا التحليل والتقييم على القوى السياسية المعارضة والعمل على دراسة موقفها الحالي بعناية فائقة، وألا تقع في فخ المواقف السالبة، والتشنج في كثير من المواقف التي لا تخدم مصالحها، بمجرد المكائد والعداء ضد المؤتمر الوطني، الذي أصبح من الأحزاب الرئيسية في الساحة السياسية، وأن الواقع أصبح يحتم على القوى السياسية والمعارضة خوض الانتخابات والاصرار على قيامها في موعدها، مهما كانت النتائج، من أجل التحول إلى تداول السلطة، بعد كل أربع سنوات عن طريق الانتخابات العامة، ومهما كان وضع المعارضة في السلطة أو خارجها، فإن المشاركة في الانتخابات تعمل على حفاظ تلك الأحزاب على قواعدها وجماهيرها، لتداول السلطة بعد انقضاء مدة شرعية الحكومة، التي ستأتي بعد الانتخابات في الأيام القادمة، وإلا ستكون النتيجة إذا أصرت المعارضة على عدم خوض الانتخابات، فقدان المعارضة إلى موقفها في الساحة السياسية، وعدم الثقة من قواعدها وجماهيرها، التي كانت تعول على أحزابها في خوض الانتخابات العامة في موعدها المقرر.