«دفعنا فاتورة الصراع مابين الشمال والجنوب طوال السنوات الماضية ولسنا علي استعداد لمواصلة دفع فواتير ما بعد السلام لصالح الشريكين وسيكون لنا موقفنا الثابت الذي يحفظ حقوق اصحاب البلد الحقيقيين» بهذه العبارات تحدث الشاب المنضوي تحت لواء الحركة الشعبية منذ سنوات وحتي قبل التوقيع علي اتفاقية نيفاشا التي منحت الجنوب حق مغادرة السودان وتشكيل كيانه الخاص به والذي تنحدر جذوره من منطقة جبال النوبة «عبد الرحمن » الذي كان يتحدث بحرقة من خلال تجمع روابط جبال النوبة بالجامعات السودانية ووسط حشد اجتمع فيه عدد من الشباب متجاوزين منظوماتهم السياسية المختلفة من اجل الاتفاق حول قضايا المنطقة التي وصفوها بانها تعاني بفعل تكتيكات الشريكين في تعاملهم مع تنفيذ الاتفاقية، وفيما يختص بقضايا جبال النوبة علي وجه التحديد وفي قضية المشورة الشعبية التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل ونرفض استمرار سياسة التهميش والتي سنتخذ حيالها مواقف بعيدا عن الشمال والجنوب، ما قاله القيادي الشاب التقي وحراك متصل علي عدة محاور يتعلق بقضية جبال النوبة ومستقبلها بعد انفصال الجنوب المرتقب والذي سيطرح بدوره مجموعة من التساؤلات تتعلق بمستقبل المنطقة الواقعة في غرب السودان والتي تأخذ طابع الخصوصية في علاقتها بالحركة الشعبية في فترة النضال المشترك من أجل مشروع السودان الجديد المتعدد والعلماني،فالمنطقة التي كانت تمثل مسرح العمليات الثاني بالنسبة للحركة الشعبية، وانضم عشرات الآلاف من أبناء هذا الاقليم الى صفوف الحركة الشعبية استجابة لشعاراتها التي كانت تنادي بها . ويقدر البعض عدد أبناء اقليم جبال النوبة في الحركة الشعبية ب «40» ألف شخص. ويقدر الذين فقدوا ارواحهم في معارك اثناء فترة الحرب الاهلية في الجنوب بعدد عشرة آلاف شاب، والمعاقين جسديا بحوالى اربعة آلاف شخص ومثلهم من المعاقين نفسيا. ووفقا لبروتكول جبال النوبة في اتفاقية نيفاشا فإن المرتبطين بالجيش الشعبي تحديدا من ابناء هذا الاقليم يتبعون اداريا لرئاستهم في جوبا، الى ان يحسم امر الوحدة والانفصال بالاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في يناير 2011م. ففي حال اسفر الاستفتاء عن انتصار للوحدة تعتبر القوات المشتركة نواة للجيش السوداني يتم فيها استيعاب اعداد اكبر بترتيبات متفق عليها، اما اذا افضت العملية الى انفصال فإن كل قوة ستتبع الى ادارتها، وتصبح قوات تتبع لدولة مستقلة بذاتها. وبالنسبة لابناء الجنوب فإن هذا الامر لا يسبب اية مشكلة، ولكنه في المقابل يمثل مشكلة للاطراف الاخري ومن بينها جبال النوبة ولكنه ليس الامر الوحيد والمؤثر في العلاقة فثمة اشياء اخري صعدت الي السطح ولعل علي رأس تلك الامور تأتي عملية طبيعة العلاقة ما بين جبال النوبة والدولتين المنفصلتين مستقبلا وبالرغم من ان للمنطقة بروتكولا خاصا في اتفاقية السلام هو بروتكول المشورة الشعبية الا ان الكثيرين ينظرون اليه بانه لن يحقق الطموحات المرجوة لاهالي المنطقة هذا ان غضوا الطرف عن المعوقات التي تواجه قيام المشورة نفسها علي ارض الواقع في ظل التأخير في انتخاب المجلس التشريعي في الولاية بعد الاختلاف حول عملية التعداد السكاني هناك، كما ان المشورة الشعبية هي علاقة مابين الحكومة المركزية والمجلس التشريعي الولائي وهو ما يعني قيامها قبل الاستفتاء في جنوب السودان والذي يعني انفصاله فتح مزيدا من الاسئلة التي تتعلق بجبال النوبة، حراك الطلاب حاول استباق ذلك من خلال مخاطبات في معظم الجامعات السودانية تحدد نيتهم في تكوين دولتهم الخاصة خصوصا وانهم يعتبرون اهل الشمال والجنوب ضيوفا في ارضهم منذ غابر التاريخ وانهم سيعيدون دولة «كوش» الا ان البعض اعتبرها فورة شباب سرعان ماتنتهي ولكنها حركة عبرت عن الواقع المشتعل وحالة التخوف من المستقبل للمنطقة ، وهو الامر الذي يقلل منه رئيس المجلس التشريعي بولاية جنوب كردفان ونائب رئيس اللجنة الفنية للمشورة الشعبية بالولاية والقيادي بالمؤتمر الوطني ابراهيم بلندية، حيث قال في اتصال هاتفي مع «الصحافة» ان الامر تم حسمه من خلال اتفاقية السلام الشامل وبروتكول ولاية جنوب كردفان المتعلق بعملية المشورة الشعبية والتي بدأت اجراءاتها الان وتمضي الي الافضل وقال ان النظر الي القضايا يجب ان يتم في اطار الشراكة مابين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والتي تمضي بصورة طيبة الان وقال انه لو حدث الانفصال فلن يمنعنا من ممارسة حق المشورة الشعبية باعتبارها استحقاق دستوري ولكن هذا الامر وبحسب رؤية بلندية من شأنه ان يأتي باثار سلبية علي المنطقة وعلاقتها بالجنوب خصوصا بعد ان انكفاءت الحركة ووجهت كل اهتمامها نحو تحقيق الانفصال وتركت قضية جبال النوبة ، واشار الي انه في حال الانفصال فان الترتيبات الامنية التي توضح العلاقة تم النص عليها، مشيرا الي ان اعضاء الحركة الشعبية هم من سيجدون انفسهم في معادلة صعبة وخصوصا العسكريين، فاما البقاء في الشمال وترك اسلحتهم هناك او حملها الي حدود 1956 ، وقال ان معظم كوادر الحركة الشعبية الان في حالة حيرة، وقال انهم الان يسعون لاكمال ماتبقي من استحقاقات الاتفاقية الوصول الي مرحلة المشورة الشعبية من خلال رؤية يجمع عليها كل اهل الولاية وهي من شأنها ان تضع حلولا توضح طبيعة العلاقة مابيننا والمركز وتفتح المجال للتنمية والاستقرار ، الا ان رئيس الحزب القومي الديمقراطي الجديد والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية منير شيخ الدين ينطلق من وجهة نظر مختلفة عن تلك التي قال بها بلندية فيما يتعلق بدور المشورة الشعبية في تحقيق الاستقرار في المنطقة والقضاء علي عملية التهميش المستمرة، مشيرا الي ان عملية اجرائها نفسها تقابلها مجموعة من الاشكالات الفنية كما ان الوعي بها من قبل المواطن غير موجود والكثيرون ينظرون اليها بانها آلية لتحقيق الانفصال اسوة بالجنوب والذي بات بالحسابات المنطقية دولة قائمة بذاتها وهو امر سيقود الي اندلاع الحرب مرة اخري، وقال شيخ الدين ان تنفيذ البروتكول نفسه كان عرضة للمزايدات السياسية مابين الشريكين وهو امر يفاقم من الاوضاع خصوصا بعد انفصال الجنوب فان الحرب ستشتعل مرة اخري بعد توافر مقوماتها المتمثلة في المقاتلين من ابناء المنطقة ومن الاحساس بالتهميش والتجاوز، فالملاحظ الي التشكيل الوزاري يشهد غياب ابناء المنطقة علي المستوي القومي وحتي علي مستوي حكومة الجنوب الا من مستشار سلفاكير دانيال كودي كما ان تبلور فكرة الوصول الي الحقوق باستخدام القوة اسوة بما حدث في الشرق وفي نيفاشا وفي ابوجا يجب ان يتم التعامل معه في منطقة جنوب كردفان وعلي الجميع الجلوس الي طاولة الحوار قبل قيام الاستفتاء من اجل الوصول الي تسوية شاملة لقضية جبال النوبة وهو الامر نفسه الذي طرحته الحركة المدنية للحقوق والمواطنة والتي تضم في داخلها مجموعة من الاحزاب ، ويقول منير انه قد ان الاوان لادارة نقاش موضوعي يتناول طبيعة العلاقة مابين ولايات الشمال السياسي والحكومة المركزية سواء انفصل الجنوب او لم يحدث ذلك ومن اجل ايجاد صيغة جديدة للتعايش مابين المكونات المختلفة داخل السودان. المؤشرات تؤكد علي اتجاه الحركة الشعبية لفصل الجنوب عن الشمال ووضع ترتيبات هذا الامر وهي في الوقت نفسها تجد نفسها في اشد الحاجة لعلاقتها السابقة بجبال النوبة وخصوصا الافراد المقاتلين والذين اكتسبوا خبرة كبيرة في هذا المجال كما انهم يتميزون بميزة اخري هي قدرتهم علي حسم التفلتات القبلية انطلاقا من حياديتهم في الامر وفي نفس الوقت استخدامهم كورقة ضغط في علاقتها مع الشمال وهو ما سيفعله الشمال تماما في التعامل مع الملف وهو امر يبدو واضحا في الافق الذي يخفي مستقبل الجبال ما بعد الانفصال.