هذا المثل الصادم والطريف ليس من عندى ، ولكنه بعض من مخزون الأدب والتراث الشعبى لدى شيخ المناضلين عمنا الراحل الحاج مضوى محمد احمد . كنا نتحاور ونتجادل فى مشروع لوحدة الأحزاب والتيارات الإتحادية ، وعندما تكاثرت العقبات وتمترس البعض حول مواقفهم فى شأن الوحدة المنشودة صاح فينا حاج مضوى قائلاً ( مشطوها بى قمُلا ) ...كان يقصد المضى نحو هدف الوحدة وتجاوز العقبات وغض النظر عن الإلتفات اليها رغم تأثيرها على مستقبل المشروع . وعلى ذات المنوال ما أحوجنا فى هذه الأيام أن نستعير المثل الذى جاد به عمنا الحاج ونحن نتساءل : هل مُشطت نيفاشا ب قملها ؟ ...كان الأستاذ محجوب محمد صالح أول من أدرك تلك النقائص وذاك ( القمل ) فى جدائل نيفاشا وفى مشاطها حين أعمل ذهنه المتوثب وبصيرته الثاقبة وقلمه الحاذق فى نصوص الاتفاق . فى ديسمبر 2004 أى قبل ست سنوات من يومنا هذا كتب الأستاذ محجوب ورقة عمل بعنوان « أبعاد قسمة السلطة فى اتفاقية السلام الشامل « يقول فيها : ( إن مبادرة الإيقاد حددت أطراف التفاوض إستناداً لشرعية السلاح ولا شىء سواه ولذلك فهى قد تجاهلت تماماً وجود أطراف أخرى شمالية وجنوبية فاعلة على الساحة السياسية ، كما تجاهلت تماماً أن أزمة الجنوب هى جزء من أزمة الحكم فى السودان ، وأنك لا تستطيع أن تعالج الجزء إلا فى إطار الكل ، لأن السلام كى يكون دائماً يجب أن توطد دعائمه الرغبة الجماعية والإلتزام الجماعى .....إن التحول الديمقراطى أصبح يحتل مرحلة ثانوية فى مشروع حل أزمة الجنوب ، فهو يأتى كمنتوج ثانوى وليس كمطلب أصيل وتأتى النصوص معممة وغامضة حينما يتعلق الأمر بالتحول الديمقراطى أو دور الآخرين فى المعادلة .....إن الإتفاقية صممت أساساً لمعالجة أزمة العلاقة بين الشمال والجنوب وجاء التعامل مع أزمات السودان الأخرى كنتاج لمعالجة أزمة الجنوب ، لذلك نجد النصوص واضحة ومفصلة فى أى أمر يتعلق بالجنوب وعامة ومبهمة فى القضايا المتعلقة بأزمات السودان الأخرى ، ولذلك فهو إتفاق غير متوازن ويحتاج للمزيد من المعالجة دون أن تؤثر تلك المعالجات على الحقوق التى إكتسبها الجنوبيون ، وإذا لم نعالج كل أزمات السودان فإن السلام سيتعرض للخطر لأنه ستحدث إنفجارات فى أماكن أخرى وتقف دارفور شاهداً على صحة هذا التحليل ..... إن حصر الإتفاق بين الشريكين بحجة أنهما الفاعلان فى ساحة القتال ، الحاملان للسلاح قد يوقف الحرب وهذا صحيح ، ولكن السلام ليس مجرد وقف الحرب ، والطرفان منفردان لن يستطيعا صناعة السلام لأن السلام مسئولية جماعية ولا يمكن أن يستقر فى غيبة الآخرين.....لقد جاء الإتفاق من ناحية أشبه بإقتسام الغنائم بين الطرفين ومن الناحية الأخرى أشبه بإنشاء شركة خاصة يتمتع فيها شريكان بالأغلبية المطلقة .) تلك بعض مثالب الإتفاق التى تطرق لها الاستاذ محجوب قبل ست سنوات ، ويمكننا أن نضيف لتلك النقاط : التطرق لخيار الإنفصال جاء فى الاتفاق بشكل تقريرى وتم غض البصر عن تبعاته من ترسيم حدود والنزاع حول أبيى وتقاسم أصول الدولة ومواردها وديونها وغير ذلك . فى ذاك الوقت لحظة توقيع الاتفاق كانت إثارة هذه النقاط يُنظر لها كمن جاء خاطباً يطلب القرب والزواج وراح يتحدث فى ترتيبات الطلاق ...ليته فعل أو تحدث ، فأهلنا فى مصر يكبلون العريس لحظة الزواج بالتوقيع على مؤخر صداق وقائمة من المنقولات التى تؤول للعروس حال الطلاق !