حذر مهتمون وباحثون في الآثار من التنقيب العشوائي عن الذهب الذي انتظم مناطق واسعه من أنحاء السودان ،ونبهوا الى خطورة الحفر العشوائي وتأثيره على المناطق الاثرية التي تمثل ذاكرة وتاريخ الوطن ،وأشاروا الى أن بعض ضعاف النفوس ربما يستغلون تساهل السلطات في منح تراخيص التنقيب عن الذهب للبحث عن الآثار التي اضحت تجارة رائجة عالميا تدر أموالا ضخمة أغرت الكثيرين لبيع تاريخهم المتمثل في الالآثار النادرة التي يحصلون عليها التي تؤرخ لفترات وحقب ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ البعيدة توضح الكثير من الحضارات السودانية التي سادت منذ آلأف السنين. ويقول الدكتور عبد الرحمن إبراهيم سعيد الأستاذ المساعد بقسم الآثار بجامعة الخرطوم إن التنقيب العشؤائي عن الذهب من شأنه أن يلقي بظلاله السالبة على الآثار السودانية في العديد من المواقع خاصة ولايتي نهر النيل والشمالية ،وأضاف : تبرز خطورة التنقيب العشوائي من واقع عدم معرفة الكثير من الباحثين عن الذهب بأهمية الآثار ومواقعها ،والتنقيب لا أرض محددة له ،وامتد مؤخرا ليشمل مناطق تصنف على أنها تحتضن في باطن أرضها الكثير من الآثار النادرة والهامه كمناطق النقعه والمصورات والمدينة الملكية والأهرامات ومناطق أبوحمد بولاية نهر النيل ،وفي الولاية الشمالية تواجه مناطق المحس الأثرية خطر حفريات التنقيب العشوائية ،وتم مؤخرا تنفيذ مشروع المسح الآثاري في هذه المنطقة التي تمتد حتى وادي حلفا بواسطة قسم الآثار بجامعة الخرطوم والهيئة العامة للآثار والمتاحف والمعهد البريطاني لشرق أفريقيا ،وخلص المشروع المسحي الذي تم تنفيذه لثمانية مواسم متتالية منذ العام 1990 الى وجود أكثر من ألف موقع أثري ،وتعود آثار هذه المنطقة الى العديد من الحقب والعصور التي مرت على السودان منها العصور الحجرية ،المجموعات النوبية ،كرمه ،نبته ،مروي ،المسيحية والاسلامية ،وهي حقب وعهود هامه من تاريخ السودان وتوجد آثار توضح الكثير ومن المفترض أن تخضع للحماية حتى لا يتم التعدي عليها ،الا أنه للأسف هناك الكثير من المواقع دون حراسة وهي التي ربما يستهدفها تجار الآثار تحت غطاء التنقيب عن الذهب. ويضيف الدكتور عبد الرحمن :البعض يبحث حفرا في مدافن ومقابر أهل الحضارات القديمة بحثا عن التماثيل والذهب الذي كان يدفن مع المتوفي ويكون في شكل الأدوات المصنوعه من المعدن النفيس التي كان يستعملها ،وهناك آخرون لايلقون بالا للتماثيل ويقومون برميها ويحملون التبر ومن هنا تنبع الخطورة وذلك لان الباحثين عن الذهب لايعرفون قيمة الآثار ،والذين يعرفون قيمتها يقومون ببيعها، وفي كل الحالات الخسارة فادحة وكبيرة ،ومؤخرا علمنا من البعض أن الباحثين عن الذهب عثروا في إحدى المناطق على رؤوس سهام و تماثيل كنا نبحث عنها وذلك لانها تؤرخ للحقبة التي دخل فيها العرب السودان وعقدوا إتفاقية البقط ولكن للأسف لم يعرف الذين عثروا على تلك الآثار قيمتها التاريخية وقاموا بالتخلص منها . وفي ختام حديثه ناشد الدكتور عبد الرحمن ابراهيم سعيد الهيئة العامه للآثار والمتاحف وشرطة الآثار بوضع قيود على حركة التنقيب عن الذهب ،وأشاد بوجود الجهتين في هذا الصدد الا أنه طالب بتوفير حماية دائمة في مختلف المواقع الأثرية بالسودان حتى لاتتعرض للتلف والسرقة . في الشقيقة مصر أقامت سرقة زهرة الخشاش التاريخية أم الدنيا ولم تقعدها حتى بعد إكتشاف الجناة ومعاقبتهم ،وحظي الحدث باهتمام كل مواطن مصري وأفردت له الفضائيات والصحف مساحات واسعة من المتابعة ،ويعود السبب في التفاعل الكبير والاستنكار الكامل للسرقة الى حرص الأخوة المصريين على تاريخهم ،و كانت الجارة أثيوبيا قد استعادت المسله التاريخية بعشرات الملايين من الدولارات وأعادتها لموطنها الأصلي وذلك لانها تمثل حقبه هامه من تاريخ أثيوبيا التي يعرف مواطنها قيمة آثار حضارة دولته ،وفي السودان من يريد معرفة تاريخ الحضارة النوبية فعليه السفر نحو بريطانيا التي بمتحفها الضخم والفخم جناح خاص عن الحضارة النوبية به أهم آثارنا التي لانعرف كيف ذهبت الى بريطانيا ومن سمح بذلك الحق الذي نملكه كسودانيين ،الا ان ضعف إهتمامنا بحضارتنا مثل الشعوب الأخرى يجعل آثارنا النادرة التي توضح عظمة وشموخ هذا الوطن تذهب بعيدا عن شارع النيل حيث يفترض ان تكون في متحفنا الوطني، ولكن تظل الأسئلة الحائرة قائمة حول آثارنا وحضاراتنا وتاريخنا ..هل هناك عمليات تهريب منظمه لآثارنا ؟ وماهو دور الدولة في حمايتها ؟ ومن المسؤول عن ضعف إهتمام المواطن السوداني بالآثار ؟هل السبب انصراف المواطن ولهثه وراء لقمة العيش أم أن خبراء الآثار في البلاد فشلوا في إقناع الدولة بضرورة الإهتمام بها؟ ،ولماذا لا تدرس كمادة منفصله مثلها والكثير من المواد التي تم استحداثها مؤخرا حتى تزول أميتنا الآثارية؟ لانجزم بسرقة المنقبين عن الذهب للآثار ،بيد أننا نقول إن الأمر لايخلو من الخطورة كما أشار الدكتور عبد الرحمن ابراهيم ،فضعاف النفوس يمكنهم استعمال التنقيب عن الذهب كغطاء لممارسة تجارتهم غير المشروعة في الآثار ،والأمر برمته محول لشرطة الآثار والسياحة ،الأيدي الأمينة على حضارتنا .