سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يوم الصدمة والرعب والاختلافات والتناقضات السياسية والأمنية والتضارب في إدارة الأزمة والحرب ضد الإرهاب في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الأمريكية (2)
5- وأما في دوائر وزارة ا لدفاع، وعلى الفور وبعد حدوث الكارثة، استدعى وزير الدفاع «رامسفيلد» رئيس هيئة الاركان المشتركة ا لجنرال «هنري شلتون». علماً ان الرجلين لم يكونا على وفاق. وبالرغم من ذلك حضر الجنرال «شلتون» وقابل وزير الدفاع والذي بادره بقوله «نحن الآن في لحظة فارقة» ويرد «شلتون» «إننا على استعداد» ويضيف الجنرال «شلتون» (ان كان الفاعل (بن لادن) (والقاعدة)، والقاعدة كما تعلم سيدي الوزير متحصنة في جبال وكهوف أفغانستان، فلابد لي من أن أبلغك أننا لا نملك خطط طوارئ جاهزة للعمل هنالك، لأن ذلك البلد لم يكن على قائمة توقعاتنا، ففي كل حساباتنا لم يكن هنالك احتمال ان نشن حرباً في أفغانستان). ومن هنا يتضح انه ليست لامريكا خطة عمليات وطوارئ للتعامل مع القاعدة والتي تتخندق في جبال وكهوف أفغانستان، وعلى بعد («7» ألف ميل (سبعة ألف ميل) من أمريكا وعدد سكانها يفوق ال26 مليون نسمة، ومعنى ذلك انه ليست هنالك قوات معبأة للعمل في مناطق تواجد القاعدة في أفغانستان، والأمر كما ذكر وزير الدفاع يحتاج إلى ستين يوماً (60) يوماً للاعداد والتحضير والنقل وتشوين الاجهزة لتوجيه ضربات جوية متواصلة في افغانستان. ولكن القيادة العسكرية ترى انها تحتاج إلى شهور عدة لرسم خطة عمليات واسعة في افغانستان، خطط تتلاءم وتنظيم القاعدة الذي يتبنى تنظيم حرب العصابات ويقاتلون بأسلحة تقليدية يختفون وراء قمم الجبال وداخل الكهوف ويستعملون البقال في جر المدافع والعربات، بينما القوات الامريكية الآن غير جاهزة لمثل هذا القتال وخاصة وأنها مضت عليها فترة زمنية طويلة وهي تقاتل وتحارب في البعد، ومع ذلك صدرت الأوامر للقيادة العسكرية بأن تتبنى خططاً وافكاراً خلاقة فيها شئ ما بين اطلاق صواريخ «كروز» وبين حرب واسعة، حتى يمكن توجيه ضربة قوية للارهاب والقاعدة والعثور على «بن لادن» فذلك ما يتوقعه الشعب الامريكي. وخاصة انه على طول الولاياتالمتحدة وعرضها، كان الصوت والصدى اسم رجل غامض يشار إليه بالكراهية والرهبة، كأنه من عوالم السحر هو «أسامة بن لادن» الذي قيل إن أعوانه حضروا كالعفاريت خفية من جبال وكهوف أفغانستان وانقضوا ناراً ودماراً فوق الأبراج العالية 6- وأما «كونداليزا رايس» مستشارة الرئيس للأمن القومي، فكانت على يقين ان هذا الاعتداء لابد أن تكون وراءه القاعدة والمسؤول عنه (بن لادن)، وعمل بمثل هذه المفاجأة والجرأة لا يستطيع أي فصيل آخر غير القاعدة، على القيام به. ولكن أين مسؤولية الادارة الامريكية، ولماذا فوجئوا بما جرى وما الذي كان يعرفونه عن القاعدة؟ ومتى عرفوه؟ وكيف تصرفوا حياله. وأين كانت الجهات الأمنية المختلفة والتي يصرف عليها من مال الشعب الامريكي (تريليون دولار) «ألف بليون دولار» سنوياً، وعلى مدى خمسين (50) عاماً ظل هذا الصرف مستمراً لبناء هذه القوة الامنية ولحماية الامن القومي الامريكي، آلاف البشر من المحترفين الامنيين وكذلك المصادر الامنية المنتشرة في كل بلدان المعمورة، وكذلك التعاون الأمني بين أمريكا والكثير من بلدان العالم. بالرغم من ذلك كله استطاعت مجموعة صغيرة لا تتعدى ال19 فرداً من اختراق الخطوط والحواجز الامنية والوصول إلى أهدافهم بكل البساطة واليسر، واصابة الادارة والشعب الامريكي في مقتل. كيف استطاعوا هؤلاء بالرغم من السياج الأمني البشري والمادي من التسلل إلى امريكا والاقامة بها وتدرب بعضهم في معاهد طيرانها، وتسنى لهم الوقت للتحضير والتخطيط ووضع الخطط الدقيقة، واحاطوا كل هذه الاعمال العملياتية بكل السرية والأمن، مما ساعدهم في تحقيق عامل المفاجأة، تلك المفاجأة التي هزت أكبر امبراطورية أمنية عسكرية اقتصادية عرفها التاريخ. حتى ان مدير وكالة المباحث الفيدرالي (FBI) وبعد وقوع الحادثة يسأل مدير المخابرات المركزية (CIA) يسأله ما عنده من معلومات، ويجيبه «جورج تننت» مدير (CIA) أنها القاعدة وأنه (بن لادن). ويقول «مولر» مدير (FBI) ان ذلك «محتمل» لأنه ليس هنالك تنظيم آخر لديه مثل هذه الجرأة والوسائل لترتيب عمل ارهابي بهذا الحجم. هذه المحادثة بين مديري أكبر وكالات امنية في العالم، توضح ان المعلومات لم تكن في المستوى المطلوب ولم تكن في الزمان المطلوب، وان التنسيق المعلوماتي كان مفقوداً بين هاتين الوكالتين، على الاقل في هذه الحادثة. عليه فان عدم توفر المعلومات الكافية في الزمن المطلوب وعدم وجود تنسيق أمني أمريكي فعال بين الوكالات الأمنية الامريكية المختلفة، بجانب التحضير والتخطيط الجيد والمحاط بالأمن والسرية من قبل المنفذين، والذي أمكن من التنفيذ واحداث المفاجأة، مكن كل ذلك في مجمله نجاح هذا العمل الارهابي. 7- كان يوم 11 سبتمبر 2001م، صباحه ونهاره وليله طويلاً على (واشنطن) ومليئاً بالا ختلافات والتناقضات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف في الادارة الأمريكية. ثم ومع مرور الزمن والساعات هدأت الاعصاب، وتم الاتفاق على عدة مطلوبات تفرضها الضرورات، لاحتواء توترات الرأي العام الامريكي حتى لا تتفاقم كالآتي:- أ/ لابد من الباس التهمة والقاء المسؤولية إلى عدو خارجي، وقبل انتظار التفاصيل، لأنه بوجود هذا العدو يسهل تحويل شحنة الغضب الداخلي والناتج عن المفاجأة إلى الصدمة إلى الخارج. ب/ اعلان التعبئة العامة لملاحقة هذا العدو وحشد كل الطاقات الداخلية والخارجية من حلفاء امريكا. ج/ استدعاء الروح الوطنية والدينية لقطع الطريق أمام أي تساؤلات بحيث يصبح مجرد الشك درجة من الخيانة. 8- وعلى الفور بدأ التصنيف للدول والأشخاص الاصدقاء والاعداء والطيبين والأشرار والذين معنا والذين ضدنا، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا. وتم تحديد ثلاثة اعداء رئيسيين، تم تحديدهم بواسطة (CIA) هم: أ/ الارهاب وجبهته العالمية هي تنظيم القاعدة، ورجله الخطير (أسامة بن لادن) وان تنظيم القاعدة يمثل خطراً قائماً وعاجلاً وخفي يوجه ضرباته للمصالح الامريكية عبر العالم ويصعب الامساك به. ولكن لابد من توجيه ضربات قوية لتدمير القاعدة وتصفية (بن لادن). ب/ العدو الثاني الانتشار غير المسبوق لاسلحة التدمير الشامل (أتش) واحتمال وصول هذه الاسلحة لدول مارقة أو جماعات متطرفة، ومن شأن ذلك تهديد وتدمير المصالح الامريكية والعالمية، دون ادراك لعواقب هذا الاستخدام. ج/ وأما العدو الثالث هو «الصين» التي أفلتت من عوائق التخلف والحصار وأصبحت تركز على بناء القوة الاقتصادية والعسكرية، وأصبحت دولة عظمى عدوانية على الشاطئ الآخر من المحيط الهادي. 9- هكذا أصبح الارهاب هو الهدف الاستراتيجي الامريكي الذي تسعى إليه الادارة الأمريكية لاستئصاله، فالهدف حرب ضد الارهاب بالمعنى الاوسع. ومن هذا الاتجاه ترى مجموعة البيت الابيض والخارجية ان الحرب ضد الارهاب بالمعنى الأوسع تعني ضرب تنظيم القاعدة في افغانستان باعتباره هو المسؤول عن التفجيرات التي حدثت، وبينما يرى الفريق الامبراطوري والذي يتزعمه نائب الرئيس ووزير الدفاع ومجموعته من المحافظين الجدد، ان الهدف الحرب ضد الارهاب بالمعنى الأوسع، تعني ضرب الارهابيين والذين يناصرونهم، وأنه من السهل العثور على مناصري الارهاب أكثر من العثور على الارهابيوين أنفسهم. فالذين يدعمون الارهاب هم أهداف متجسدة أمامهم وقابلة للضرب وليست اشباحاً، انما هم اقطار معروفة بالاسم كالعراق وايران وليبيا وغيرهم. ويرى ايضاً أنصار هذا الاتجاه ان الدول التي ترعى الارهاب لها كيان واضح وملامح واضحة يمكن التركيز عليها، والجماعات الارهابية مجرد أشباح، فالنجاح يمكن أن يتحقق ضد «جسد» ولا يمكن أن يتحقق ضد «شبح». وأما الرئيس «بوش» يرى انه من الضروري ان يكون الهدف الاستراتيجي أكثر وضوحاً وتحديداً والتركيز على ضرب «القاعدة» بدلاً من تشتيت الجهد وملاحقة الدول الراعية للارهاب، وان هذا يؤدي إلى الاحتفاظ بالرأي العام والذي فهم ان القاعدة هي التي سببت له كل هذه الآلام، وان الشعب الامريكي منتظر من ادارته الضرب في هذا الاتجاه، بالاضافة إلى ان التركيز على القاعدة مهم لأصدقائنا في التحالف. وأما موضوع ضرب العراق فيرى الرئيس الامريكي انه الآن ليس مناسباً ويحتاج إلى وقت، ويرى (بوش) ان (صدام حسين) رجل خطر وحتى على جيرانه العرب، ولكنه خلال السنوات الاخيرة لم يفعل شيئاً يستوجب البدء في عقابه رداً على ما حدث في نيويورك، وليس عندنا ما يثبت صلته بما جرى. ويرى أيضاً (بوش) ان هنالك اعتبارين: أولهما أنه لا يريد أن يتهمه أحد بأننا تحولنا إلى ملاحقة (صدام) لأننا لم نستطع الامساك بغيره، والاعتبار الثاني: ان (بوش) بالرغم من كراهيته (لصدام) لكنه لا يريد أن يتصور أحد في العالم انه يطارده من باب الثأر الشخصي لأبيه (جورج بوش الأب). وأما هيئة الاركان المشتركة وعلى رأسها الجنرال (هيو شيلتون)، ترى انه لا داعي لادخال العراق في المعادلة في هذه اللحظة المبكرة، وخاصة وان العراق لم تظهر له صلة مباشرة تكشف مسؤوليته عن هجمات (11) سبتمبر، وفوق ذلك ترى الهيئة ان استهداف العراق يؤدي إلى احراج دول عربية صديقة نريد دعمها في الحرب ضد الارهاب بالاضافة إلى أن استهداف العراق كفيل بأن يوقف عملية السلام في الشرق الأوسط والتي ترى هيئة القيادة استمرارها قبل البدء في ضرب العراق. * باحث وخبير في الشؤون العسكرية والسياسية