قدم المراجع العام لجمهورية السودان تقريره السنوي للمجلس الوطني ونحمد للمراجع أن وضع بعض الحقيقة أمام الناس جمعياً وقد ظهر جليا سوء إدارة الدولة للمال العام والاقتصاد وهذه ليست أول مرة يتحدث فيها المراجع العام عن الفساد المالي في مؤسسات الدولة فقد تكرر الحديث عن ذلك تكراراً ومراراً في العام السابق حوي التقرير أيضاً كثيراً من أوجه الفساد المالي وكان رد الفعل الطبيعي للحكومة مذهلاً ومحبطاً ، وزير المالية السابق وزير الصناعة الحالي استخف بالتقرير قائلاً ان التجاوزات بالمقارنة بالإيرادات تعد تافهة وبسيطة .....الله ....الله في المساكين والجوعي أما وزير العدل السابق فقد أكدّ إن لا مبرر لتشكيل لجنة لدراسة الحالة وهكذا لم يحرك أحد ساكنا بشأن التقرير السابق فقط غادر المراجع موقعه غير مرضي عنه!! أما هذه المرة ومع أن نسبة التجاوزات قد ارتفعت عن العام السابق إلاً أننا وحتى اللحظة لم نقرأ تصريحاً واحداً لأي مسؤول في الحكومة منذ حديث المراجع نفياً أو إقراراً بالفساد وتحديد معالم برنامج جدي للقضاء عليه مع أن كل العالم يسعي إلي محاربة ومكافحة الفساد بشكل قوي .... إن شاء الله المانع خير.... في تقديرنا أن الفساد المالي يخلق جواً من غياب الأمانة ليس في المؤسسات الحكومة فحسب بل في الأسواق والإنتاج متمثلاً في الغش والسرقة في البيع وعدم الصدق في العقود وانتشار قيم الجشع والظلم. والاعتداء والغبن والتدليس والشيكات الطائرة والتهرب الضريبي والتزوير وهذه القيم ستؤدي حتما إلي زعزعة الروابط الاجتماعية وتماسك المجتمع وتهدد استقراره ، وتبعا لهذا كان المأمول أن تعلن الدولة الحرب علي الفساد ولكن .... في الماضي القريب كانت دعوات محاربة الفساد لا تغيب عن خطابات كثير من المسؤولين الذين لانعدم من بينهم مفسدين يلبسون لبوس النزاهة والأمانة أختفى حتى هذا إلاّ إننا نادراً ما نسمع دعوات صادقة تطالب بمحاربة هؤلاء المفسدين والتصدي لهم وكشف حقيقة فسادهم الذي اتخذوه منهج حياة ووسيلة تسلق وطريق الوصول إلي تحقيق أهدافهم التي لا يمكن أن يصلوا إليها عبر مسارات الحق والعدل والنزاهة ........ ومع ان الشعب السوداني بطبيعته يدرك أن الغالبية من هؤلاء المفسدين مكشوفة أوراقهم أمام الجميع ولن يستطيعوا أن يختفوا خلف زيفهم طويلا فالفساد يكشف عن نفسه في هذه البلاد وهو ليس بحاجة لوثائق وشهود فدرجة شيوعه واستشرائه تجعل الكل شاهداً عليه ولكن ما الذي أخرس الحكومة !! النظر إلي التقرير يحدث صدمة ، أموال طائلة لا يعرف أحد أين صرفت وكيف صرفت........الجمارك هذه المؤسسة الإيرادية الهامة تدخل دائرة الاتهام من خلال تقرير المراجع العام -عجزت هذه المؤسسة عن تحصيل ديون علي أفراد ، فترحل تلك الديون عاما بعد عام منذ 2003م . من هو الشخص الواصل الذي يتاجر بأموال هذا الشعب المسكين، هذه المؤسسة أسد علي المساكين والغلابة ونعامة وحمل وديع علي بعض القطط السمان التي ظهرت كالنبت الشيطاني ، الا تنطبق علي هذه المؤسسة مقولة المصطفى «صلي الله عليه وسلم »: ( إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه لو كانت فاطمة لقطعت يدها)، مالكم كيف تحكمون أين ذهب المشروع الحضاري؟ ..إيرادات لم تعرف طريقها إلي وزارة المالية المهيمنة علي المال العام ولاية ، بعض المؤسسات تتصرف في الإيرادات علي هواها ولا تبالي بالقوانين والنظم والسيد وزير المالية المسكين لا يحرك ساكناً وهو الحفيظ العليم «مفترض» فبدلا من أن يشهر سيفه ويعلن حربه علي الفساد والبذخ الحكومي والإسراف في المال العام ذهب المسكين ليحدث الناس بضرورة العودة إلي العواسة والكسرة وكأن الناس يأكلون الآن البيرجر والبسكويت والجاتو من حسن إدارة الدولة للمال محاربة الفساد الظاهر والخفي وإدخال مؤسسات الدولة في حظيرة القوانين واللوائح هذه هي خارطة الطريق لاقتصاد معافي قادر علي مواجهة كل التحديات. المراجع العام الخبير في قضايا المال والحسابات يضع وصفات غاية في الدقة قائلا ان هذه الملاحظات ظلت ترد عاماً بعد عام في شأن تأخير توريد المتحصلات أو رصدها في الأمانات أو تجنيبها ذلك بالمخالفة لطائفة من الأحكام والقرارات المتضمنة في قانون ولائحة الإجراءات المالية والمحاسبية وقوانين الموازنة السنوية وقرارات وزارة المالية وعدد كبير من قرارات المجلس الوطني. ويمضي المراجع قائلا وحيث ان نهج المخالفة ظل مستمراً بلا اعتبار لما يترتب علي ذلك من آثار سالبة علي أداء الموازنة تتمثل في حجب الإيرادات عن المالية وإنفاقها علي بنود خارج الموازنة المجازة ويدعو سعادته إلي إيجاد آلية تضم الجهات المسؤولة للتصدي لهذه الظاهرة في مظانها لمعالجتها بما يوافق أحكام القانون ويضمن إضافة المتحصلات إلي موارد الموازنة كما يضمن منع هدر الأموال المجنبة.. لله درك يا مراجع !!الكرة الآن في مرمي الحكومة رئيساً ووزيراً للمالية والعدل وهلمجرا فماذا أنتم فاعلون؟ آما الطامة الكبرى في تقرير المراجع هي الوحدات التي خضعت للمراجعة فمن بين «237» وحدة خاضعة لرقابة الديوان لم تخضع لمراجعة الديوان سوى «168» وحدة فقط ، أما الوحدات التي لم تقدم حساباتها فبلغت «48» وحدة للعام الحالي «2009» وأعوم سابقة إضافة إلي وحدتين رفضتا تقديم حساباتهما للديون، الله أكبر، ما هي الوحدات التي ترفض أن تخضع لمراجعة الديوان هل هي تابعة لحكومة السودان فعلاً !! علي المراجع إن أراد أن يبرئ ساحته وذمته أمام الله والشعب وضميره أن يقدم كشفاً بهذه الوحدات ينشر بالصحف اليومية ، ان ما تضمنه التقرير خطير وان المال المهدر يكفي لمعالجة مشكلات التعليم في السودان وكذلك الصحة لذلك لابد من أن نجوس خلال هذا التقرير ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة ونعيب علي صحافة الخرطوم إغفالها التقرير بصورة نضيفها في خانة التواطؤ مع الفساد و نختتم هذه الافتتاحية بقصة للذكري وأن الذكري تنفع المؤمنين ،ولى عياض بن غنم رضي اله عنه ولاية في الشام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلما تولى قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه ، فلقيهم بالبشر فأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياماً ثم سألوه في الصلة وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه رجاء معروفه فأعطي كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خمسة - فردوها وتسخطوا ونالوا منه فقال « أي بني عم والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم و لابعد شقتكم ولكن والله ما خلصت إلي ما وصلتكم إلاّ ببيع خادمي وبيع مالا غني لي عنه فاعذروني قالوا الله ماعذرك ، انك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلي أهله !! فقال اتأمروني أن أسرق مال الله فو الله لان أشق بالمنشار أو وآبري كما يبرئ السفن أحب إلي من أن أخون فلساً أو أتعدي وأحمل علي مسلم ظلما أو علي معاهد » قارنوا رحمكم الله تعالي هذا حال هذا الأمين بواقعنا اليوم حين نظرنا للولاية نظر تشريف ولم ننظر إليها نظر تكليف فبذل كثير منا في سبيلها دينهم ومروءتهم ودفقوا من أجلها حياءهم وأراقوا لها ماء وجوههم ثم لما حصلوها حاذوا الولاية لأنفسهم وأولادهم وقرابتهم وحرموا مستحقيها منها فوظائفها وأموالها وسياراتها حكر عليهم وعلي قرابتهم وعلي من يتملقون لهم، وعقود العطاءات فيها ترسي علي شركات زوجاتهم وشركائهم حتى لا يكشف أمرهم.. هذا بعض من حال - للحديث بقية. * المحامي