ذكرت قناة «الجزيرة» في فقرة استعراض أهم عناوين الصحف العالمية الصادرة صباح أمس، أن مقترحاً اميركياً صدر عن البيت الابيض مباشرة وبموافقة الرئيس اوباما يقضي ب «مقايضة» الحكومة السودانية انجاح الاستفتاء على مصير جنوب السودان، نظير ترك التسوية السلمية لمشكلة دارفور لحكومة البشير دون تدخلات خارجية، ولم تفصل القناة في أصل الخبر ومصادره وحيثياته، الأمر الذي أثار عدة تساؤلات عن حقيقة مجريات الأمور خلف كواليس المرحلة الحرجة الراهنة، وما إذا كانت حكومة الخرطوم تتعرض فعلياً الى ضغوطات اميركية تهدف الى العمل بصورة ذاتية لفصل جنوب السودان، او المساهمة مع آخرين في إنجاح عملية الفصل. إن الوضع الراهن حرج جداً، ويمكن عبر ضبابيته تمرير أي شيء دون النظر في عواقب الأمور أو تأثيراتها على مستقبل السلام والاستقرار في السودان، ومن المهم أن يدرك السودانيون وقواهم الحيَّة والقوى السياسية خائرة القوة، أن قوى أجنبية تنشط منذ فترة من أجل نسف الاستقرار في البلاد عبر صناعة الأزمة وتعقيد وتشبيك خيوطها، وقد سبق للإدارة الأمريكية أن طرحت مقترحاً للحل بشأن الوضع في أبيي ودارفور، ويقال إن الرئيس أوباما سلَّم تفاصيل المقترح للنائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت ونائب الرئيس علي عثمان ومستشار الأمن القومي الفريق صلاح قوش إبَّان المؤتمر المشبوه الذي نظمته الولاياتالمتحدة لشريكي نيفاشا في نيويورك قبل ثلاثة أشهر مضت. إن خبر الصفقة الامريكيةالجديدة المتعلقة بطي ملف دارفور نظير اجتهاد الخرطوم في عملية فصل الجنوب، يوحي بأشياء كثيرة، أولها أن الخبر إذا كان صحيحاً فإن الخرطوم على وشك التعرض لأكبر خدعة امريكية في عالم اليوم، لا تدانيها إلا خدعة الرجل الأفغاني الذي ظل يفاوض قيادة «الناتو» على مدى شهور ويتسلم منهم عشرات الآلاف من الدولارات، وهم يعتقدون أنه قيادي كبير في حركة طالبان يسعى لإنهاء صراع طالبان والقاعدة ضد القوات الأجنبية الموجودة في أرض الأفغان. إن امريكا هي التي أشعلت الصراع في دارفور وحفرة النحاس وليست اسرائيل، فهؤلاء جاءوا اخيراً، وقد صنعتها حينما صنعتها لتستمر لا لتتوقف عبر الحلول الداخلية الهشة، وبالتالي فإن أية صفقة تتحدث عن المساعدة في إنهاء أزمة دارفور وطي ملف الجنائية نظير سكوت الخرطوم على مؤامرة تقسيم السودان، تعني «الخديعة الكبري» أو سقوط النظام في براثن العمالة لأمريكا وإسرائيل، وتعني تلقائياً سقوط دعاوى الوحدة والحفاظ على تراب الوطن، وانفتاح الباب واسعاً أمام رياح الفوضى الخلاَّقة والتغييرات الجبرية. وثانيها أن الخرطوم ربما تكون فعلاً تبحث عن مخرج «خارجي» بعيداً عن القوى السياسية الداخلية، وهذا الوضع يشبه تحديداً «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية». ومن الواضح أن الحكومة يئست من الأحزاب وقوى المعارضة في ايجاد أرضية مشتركة للعمل القومي الجماعي لتدارك الأزمة الحالية، ولذلك بدأت ترخي بأذنها نحو الهمس الأمريكي الخبيث الذي حتماً سيوردها موارد الهلاك، ولكن المشكلة أن البلاد ستدفع جزءاً من فاتورة المسألة في وقت يثقل كاهل الشعب بدفع فواتير أزمة اقتصادية وغلاء وركود تنموي كبير، مما يجعل الأمور أكثر تعقيداً. إن صمام الأمان الوحيد المتبقي للحفاظ على استقرار ووحدة السودان، هو التداعي العاجل لكافة القوى السياسية السودانية للجلوس حول مائدة حوار جاد لإنقاذ مستقبل السودان، فالوقت يمضي بعجالة تتناسب ورغبة المخططين الأجانب الذين يتخوفون من ظهور تيار جديد وصحوة قومية وطنية مع اقتراب لحظة قطف الثمار، فيقضيان على أحلامهم البشعة وأمانيهم الحمقاء.