قدم التلفزيون القومي السوداني فلماً درامياً من ثلاث حلقات في اليوم الاول لعيد الاضحى المبارك واليوم الثاني واليوم الثالث.. كان الفلم عبارة عن عيدية ممتازة للشعب السوداني فلهيئة التلفزيون القومية الشكر الجزيل. هل مات أحمد المبارك. يمكن أن تضع علامة استفهام بعد اسم المبارك ويمكن لك أن لا تضعها من باب التجديد. اعتقد انه كان هنالك اتفاق فني بين القصة والمخرج.. على ان يكون طول عمر الفلم ثلاث حلقات.. لكن يظن الذين شاهدوا هذا الفلم ان الزمن قصير وان القصة يمكن ان تطول.. لكنها العولمة.. والتحديث السينمائي.. كان للمخرج رأي صائب أحب ان يقدمه للمشاهد السوداني وغيره وهو صاحب هم مقلق. انه يجري ويلهث خلف تحقيق الهوية السودانية الثقافية (Pure Sudanese Culture) محاولاً تحقيقها وعرضها للعالم. أما المؤلف، فقد كتب قصة قصيرة عادية ذات مضمون ومحتوى قديم. ليس بجديد على مجتمعنا.. امرأة لا كافل لها.. تموت بنتها وتترك لها طفلة حلوة صغيرة تتعب وتشقى في تربيتها.. يساعدها في ذلك رجل يدعى انه من المحسنين.. تشب البنت عن الطوق تدخل الجامعة لتصير دكتورة.. والمحسن يصرف عليها لا من باب الاحسان والتقرب إلى الله وإنما كان (يرمي بعيد) تتعرف الدكتورة على شاب متعلم مليح. تتعلق به ويتعلق المحسن بها. أجبر المحسن (حبوبة) البنت على الموافقة بزواجه من الدكتورة - وافقت الحبوبة على مضض. إذا بقى له أن يبعد ذلك الشاب عن طريق الدكتورة حتى ينفرد بها. قد أفلح في الحلقتين الأولى والثانية من الفلم. رفضت البنت هذا الرجل.. - اختفى أحمد المبارك. ولكن بمساعدة أحد المواطنين الذي كانوا يظنونه (معتوهاً) استطاعت البنت أن تكتشف خطيبها لم يمت ما قتلته حبوبتها ولا الحاج سليمان ذلك المحسن الذي يهيم حباً بليلى.. وجدت ليلى أحمد المبارك وأخيراً انتصر الحب هذا مضمون القصة باختصار شديد. نرى ان الممثلين كانوا ذوي جدارة وابداع في تمثيل أدوارهم ولا سيما (خميس) ذلك الجنايني وخفير منزل أحمد المبارك. كما أجادت الحبوبة وبنتها دوريهما أيما اجادة. اختار المنتج والمخرج وجوهاً متوسطة العمر كانت رائعة في التمثيل كانت كل الوجوه غنية (Rich)لم يكن من بينها وجه حاد (Aharp). لعبت الكمرة تقنية عالية في تصوير الفلم فجاءت المناظر جميلة ونظيفة ذات ألوان ملساء متداخلة.. أما المكياج والملابس والاكسسوارات منسجمة لحد بعيد ولم تكن هنالك أي مبالغة نابئة تشوه المناظر.. لقطات بيوت الطين والمياه الراكضة، كانت تحف فنية رائعة تعبر عن الواقع السوداني. الموسيقى التصويرية التي صاحبت هذا المسلسل، ضعيفة تظهر حيناً وتختفي احياناً. اذا أكثر منها المخرج لجاء الفلم (ممطوطاً شويه). يعتقد بعض من المشاهدين ان ليس هنالك (بطل) لهذا الفلم. هل هو الحاج سليمان؟ أم الحبوبة. هل هو خميس؟ أم ليلى. السؤال الذي يمكن أن يسأله المخرج لجمهور المشاهدين ليس هل مات أحمد المبارك انما هو من هو بطل هذه الثلاثية؟ نستميح المؤلف العذر في ابداء رأينا في عنوان الفلم.. إننا نرى ان يكون عنوان الثلاثية، هل قتل أحمد المبارك؟ وهل يمكن تبديل كلمة (مات) بكلمة (قتل) لأن الموت يتم بفعل فاعل وبدونه ويمكن للمرء أن يموت في سريره بسبب مرض عضال. لكن القتل يتم قبل الموت والقتل يأتي نتيجة فعل فاعل (مع سبق الاصرار ويعتقد القاتل ان المقتول ارتكب جناية يستحق عليها الموت.. أو ربما حاز المقتول على شئ في نظر القاتل لا يستحقه ولذلك يرى القاتل لابد من قتل المقتول ليتخلص منه.. لذلك كان يرى الحاج سليمان وحبوبة ليلى ازاحة أحمد المبارك من طريق ليلى ولو بالقتل.. لنا ضروب عديدة من الفن والثقافة.. لقد عرف هذا الوطن بأرض الحضارات والفنون.. فقد شهد مجرى النيل الخالد انبثاق العديد من الحضارات التي تشهد على عظمتها (اهرامات البجراوية ومروي وجبل البركل) كما تشهد على ابداعها ما خلفه انسان سنجة والشيهيناب وسوبا من حضارة وعلم وفن.. أشرف عليه بعانخي وتهراقا... وأباداماك.. ثم (كترانج وألتي).. قالوا كترانج أمير من امراء الفنج ومعناه أمير الماء.. (وكتر) تعني الأمير (وانج) الماء.. أما (ألتي) فاسم أميرة من الفنج يقال انها أخت لكترانج.. بدأ أخيراً الكتاب والأدباء والشعراء والمغنون السودانيون يبحثون وينبشون في هيكل الثقافة والحضارة السودانية.. اعتقد انهم عثروا عليه.. وانهم الآن.. بدأوا يضعون على عظامه الدم واللحم.. حتى ينتصب وينفض الغبار الذي ران عليه كل هذه السنين.. ومن هؤلاء الادباء والمفكرين والعلماء والرسامين.. السيد (قاسم أبوزيد) أستاذ علم الاخراج بجامعة الخرطوم ومخرج الثلاثية.. انه يزهق نفسه في البحث واستنباط واخراج الثقافة السودانية المبرأة من كل شائبة. همه أن يعرف عالم اليوم انه كانت للسودانيين حضارة وثقافة أخذ منها الفراعنة واليونانيون، السينما فن حديث ومن الفنون التي عرفها العالم أو التشكيل أو صناعة الفخار والنحت. انها أخت التمثيل.. غير ان التمثيل يعتمد على الحضور الجسماني للممثل بينما اعتمدت السينما على حركة الصورة.. ولما كانت حديثة على العالم.. كذلك فهي حديثة على السودان.. بدأنا في التمثيل مقلدين. وبدأنا في المسرح مقلدين.. وكذلك عندما انتجنا أعداداً لا يستهان بها من الأفلام.. تسجيلية أو تقليدية، كنا مقلدين نقتص آثار اخواننا المصريين والسوريين واللبنانيين.. نعم لقد كانوا قدوة لنا.. لقد أخذنا تعليمنا الفني من معاهدهم.. وجلسنا الساعات الطويلة نتأمل كيف يمثل (فايز حلاوة) (وتحية كاريوكا) مسرحية (البغلة في الإبريق).. أما يوسف وهبي فهو قلعة في التمثيل (شرف البنت كعود الكبريت مايولعش مرتين).. والتحية لفؤاد المهندس وأمين الهنيدي.. وجميع اخواننا المسرحيين المصريين وغيرهم من الدول العربية. اهتمام الأخ (قاسم أبوزيد) بالفن السوداني الأصيل الذي ينم على الشكل والمحتوى السوداني (فقط).. اهتمام يجدر بنا أن نشكره عليه ونشد على يده ونمهد له الطريق ولمن يرى رؤيته من الفنانين السودانيين الذين ينبشون في التراب. يبحثون على الفن السوداني الأصيل الصميم. نحن أمة انتفضت ووقفت على سوقها لها ما يبهر العالم من فن وأدب وعلم وثقافة. ليأتي إلينا أولئك العطشى للفن والأدب والجمال ليكرعوا من ماء نيلنا ويشاهدوا آثارنا ويسمعوا ألحاننا وأغانينا.. أو لنحزم كل هذا الزخم الأدبي والثقافي والفني ونخرج به من هذه الكبسولة الضيقة نجوب به مسارح العالم واتليهات الدنيا.. وأروقات الجامعات.. هل تتبنى وزارة الثقافة هذا الاقتراح.. لا نقول لمبدعينا كفاية ما أنتجتم ولكن نقول لهم وللدولة جاء أوان العرض فالعالم المتمدين يتوق لرؤية انتاجكم الثقافي وأعمالكم الفنية..