نعت التجاني يوسف بشير مصر بأنها مستودع الثقافة.. وقد أصاب في ذلك بعبقريته المعهودة، والتي تزداد لمعانا وبريقا كلما تطاولت السنون. وقد كان التجاني مواجها بحملة شرسة من اعداء الجديد والحداثة، ولكنه صراع قد جرب احداثه ، وكان التجاني مدركا لقيمته ولقيمة تجربته في فتح الشعر السوداني على افق الحداثة متسلحا بموهبته الكبيرة، وصوره واخيلته التي فاق بها مجايليه.. ومستودع الثقافة في السودان يظل على حاله من الحراك، وقافلة الثقافة السودانية تسير وقد تصادفها عقبات هنا واشواك هناك.. ولكن بما ان مستودع الثقافة هنا على درجة من الوعي والصلابة التي استحالت على انظمة وتنظيمات وحتى القهر الاستعماري، لم يستطع ان يحرف المجرى الرئيسي له عن سيره الطبيعي ، ولذلك فان هذه الزوابع التي يثيرها البعض لن تجد التفاتة لأنها مبنية على اوهام، وهواجس يستسلم لها البعض، وتصور لهم الاشياء على غير حقيقتها.. وليس ادل على ذلك من المحاولات اليائسة لخلط الاوراق، ومحاولات ارباك المشهد الثقافي ، وهي تجئ اي بثوب ابيض، ولأن عنوان التمثيلية اين اختفى أحمد المبارك يتبادر الى الذهن ان هذه الجثة قد تكون لاحمد المبارك الذي فُقد وكأن المؤلف يريد ان يقودك الى جريمة قتل، ولكن يا استاذنا الصلحي هل جثة البحر تكفّن ! وإن لم تكن جثة بحر بل قُتل ودفن بالقرب من البحر فهل يجد القاتل الوقت الكافي حتى يُكفّن المقتول ثم يأتي ليحفر له قرب البحر..!! ثم بعد ذلك تتوالى الاحداث لنعرف ان أحمد المبارك (المقطوع من شجرة والذي تموت القرية واهلها ليعرفوا اين اختفى هو على علاقة بإحدى الطبيبات (د. ليلى) والتي يحبها حاج سليمان ويغار عليها من أحمد المبارك ، ويحاول المؤلف والمخرج ان يدفعا دفعا ليس للشك ولكن لدرجة اليقين بأن حاج سليمان هو القاتل بيده او بيد الغفير خميس (موسى الامير) .. وتنصّب الحلقة الاولى كلها في بحث ليلى وبرفقة مسمار عن أحمد المبارك، ولا تتورّع ليلى في البحث عنه حتى في (انصاص الليالي)، رغم ان ذلك غير مقبول منطقيا مع الدور فهي لم تبد حزنا على فقدان حبيبها رغم تكبدها مشاق البحث عنه ليل نهار كما ان حمل ال (labcoat) في (الطلعة والنزلة) لا يؤكد معنى (الدكترة) بل يجعل الفكرة اقرب الي التقريرية ومثلها ايضا رجل الامن الذي يظهر في اكثر من مشهد وهو يتكلف المراقبة (وينطط في الحيط) ويتسلق الاشجار بطريقة فجة..! وجاءت ثالثة الاثافي للاسف من الممثل الكبير عبدالرحمن الشبلي الذي كان يتكلف الخوف بطريقة مصنوعة تماما ولم تفلح زوجته زكية محمد عبدالله في (ترجيله) لتتفاجأ في الحلقة الاخيرة بتغير حاله من الخوف الى الاعتراف بأن حاج سليمان هو القاتل!!