«كل يوم نسمع عن صراعات وخلافات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول البترول وتهديدات بالعودة الي مربع الحرب ، لكننا لا نعرف اين تذهب اموال البترول فنحن في شرق السودان لانجد ماء للشرب وليس هناك اصعب من ذلك ، وعلي الحكومة ان تترك الجنوبيين ان يختاروا مايريدونه وعليها ان تقبل بالنتائج التي يأتي بها الاستفتاء » ، هذا الحديث كان عبارة عن مداخلة لاحد الحضور بورشة الاستفتاء واثره علي مستقبل السودان الذي نظمته كلية القانون بجامعة الخرطوم نهار امس بقاعة الشارقة للمؤتمرات ، وتم فيها تقديم خمس اوراق ناقشت القضية من عدة جوانب مختلفة وحظيت بمشاركة ومتابعة من قطاعات عريضة ضاقت بها ارجاء القاعة ، و لم يخف الحضور انفعالاتهم تجاه ماقاله المتحدثون وتعليقات المتداخلين رغم ملامح الحيرة والتي ارتسمت علي الجميع الا ان التفاعل تجاه امكانية اللحاق بما تبقي من وقت ومحاصرة السيناريوهات المظلمة كانت كما القشة التي يبحث عنها الغريق . «1» الورقة الاولي التي حملت عنوان «استفتاء جنوب السودان النتائج المتوقعة والحلول المقترحة « من منظور اقتصادي والتي اعدها الدكتور ابوالقاسم محمد ابو النور في ست صفحات موزعة علي ست نقاط ، خمس منها ابحرت في تفصيل الاثار المترتبة علي خيار الانفصال وماهو متوقع من اثار علي دولة الجنوب وما الذي يتحقق من الوحدة بجانب تقديمها لمقترحات حول امكانية تقليل بعض الاثار السلبية وابتدرها المقدم بتقديم لمحة تعريفية للقضية التي تشغل بال العالم باثره الان وقدم امثلة لدول شكلت سابقة من قبل وختمها مطالبا بقبول نتائج الاستفتاء والعمل وفق المستجدات المترتبة على ذلك . ووضع ابو النور جملة من النقاط كاثار مترتبة على خيار الانفصال ، علي الرغم من اقراره بصعوبة تحديدها بدقة نسبة للارتباط التاريخي الذي لازم الطرفين واقتسامهم للسلطة والثروة وفق نهج اقتصادي واحد مما جعل قضاياهم متشابكة بفعل الحراك السكاني والتزاوج والزمالة ، ليضع 15 نقطة اعتبرها اهم الاثار المترتبة على خيار الانفصال ، منها الموارد الطبيعية المستغلة والكامنة التي تقع في مناطق التماس والموارد المالية غير البترولية ومن يحق له تحصيلها ومن يلزم بدفعها ، بجانب ايلولة اصول المشاريع التنموية التي تتسارع الان بالجنوب في اطار الوحدة الجاذبة ، والارصدة الحالية من العملات الاجنبية ومعايير التصرف فيها وامكانية استخدامها لمصلحة الدولتين ، بجانب عدد من النقاط التي تربط الطرفين مع بعضهما البعض منها البترول وخطوط النقل وغيره ، وتحت عنوان مقترحات تقليل الاثار السالبة نادت الورقة بتخفيض الانفاق العام غير التنموي لتقليل انخفاض البترول على الموازنة العامة للدولة ، بجانب العمل علي توسيع التنقيب عن البترول بالمناطق الشمالية والعمل على دعم العمل الزراعي وربطه بالقطاع الصناعي ، وتوقعت الورقة زيادة معدل البطالة بالجنوب بسبب العودة الطوعية في بند الاثار المتوقعة على دولة الجنوب وقطع بزيادة تواجد العمالة الاجنبية من دول الجوار بجانب زيادة الانفاق الحكومي غير التنموي نسبة لزيادة المؤسسات الحكومية للدولة الوليدة ، وتباينت وجهات النظر في مداخلات الحضور فيما رأى عدد من المتابعين للورقة ظلامية المستقبل بالنسبة للدولة الوليدة وخالفهم الرأي عدد اخر اعتبر ان الجنوب لن تواجهه صعوبات كالتي وضعتها الورقة وسوف تتوفر فيه فرص كبيرة للعمل بجانب انشاء عدد من المشاريع التنموية وقدم اصحاب الرأي الاخير دفوعاتهم على اساس ارتفاع عائدات النفط فوق نسبة ال50% عقب الانفصال ، لكن ذهب اخرون للحديث عن الديون الخارجية للسودان وضرورة مشاركة الجنوب فيها الا ان المعقب الرئيسي على الورقة وزير المالية الاسبق القيادي بالمؤتمر الوطني عبدالرحيم حمدي ، تطرق الي مسألة الديون الخارجية وقلل منها معتبرها كرتا سياسيا لم يعجز بسببه السودان عن اقامة مشاريع والاستفادة من القروض طوال السنوات الماضية مشددا على ان عمر الديون هو منذ العام 1984م اي قبل انقلاب الانقاذ بخمس سنوات، واضاف يمكن للشمال ان يتحمل ديون البلاد الخارجية دون مشاركة الجنوب لان المشاريع التي تمت اقامتها بالجنوب عبارة عن مشاريع ضعيفة مقارنة بالكلية . وساعد اعداد الورقة التي جاءت في مجملها علي شكل نقاط مبسطة لا يسبقها اي سرد مطول في فتح الباب امام الحضور لمناقشتها وتقديم وجهات نظر متباينة ، وقال مقدمها عقب المداخلات ان فكرة اعدادها بالشكل البسيط كان الهدف هو فتح تساؤلات واتاحة الفرصة لاشراك اكبر عدد من الحضور ، ليختم بعدها البروفسير الطيب زين العابدين النقاش تاركا المنصة للجلسة الثانية . «2» هذه الورقة اعدها وقدمها زعيم حزب الامة الصادق المهدي وجاءت تحت عنوان «اثر الاستفتاء على موارد المياه في السودان» ، واعتبرها المهدي في مقدمة ورقته من المواضيع و القضايا الوطنية المتأثرة بالاستفتاء التي لم تحظ بالاهتمام النظري والسياسي الذي تستحقه ، قبل ان يمهد للامر بتسليط الضوء علي الاستفتاء نفسه ويضع محاذير ترافقها حلول ومطالب كلها تتخذ طريقا واحدا هو الوصول الي بر امان يحفظ البلاد مهما كانت نتائج الاستفتاء القادم ، الذي اعتبره من الناحية القانونية الصرفة استحقاقا دستوريا يحكمه قانون، وإجراؤه وقبول نتائجه كما في حالة كيوبيك بكندا إجراء سلس لا يثير غبارا وقبول نتائجه مسلم به. كما أن موضوع الموارد المائية -وفي هذه الحالة النيل الأبيض- خاضعة لقوانين معلومة يرجى أن تستمر حتى إذا أدى الاستفتاء إلى الانفصال بموجب اتفاقية جنيف لعام 1978م المتعلقة بخلافة الدولة. وفحواها ان معاهدات الدولة السلف تستمر في السريان بالنسبة للدول الخلف، وقال المهدي ان هذه الصورة المثالية يصعب أو يستحيل توقعها في الحالة السودانية إلا إذا أجرينا تشخيصا محيطا بالحالة السودانية وتوافرت الإرادة السياسية القومية القوية المدعومة دوليا لدرء المفاسد وتحقيق المنافع ، ووضع سبع نقاط حول القضية على رأسها مهددات الاستفتاء بعد ان تحول إلى مبارزة سياسية ساخنة بين المؤتمر الوطني الداعي للوحدة والحركة الشعبية الداعمة للانفصال، مما يجعل قيامه بشكل سلس ومتفق عليه مستحيلا. وقال ان اتفاقية سلام نيفاشا مع انحيازها للوحدة جعلت الانفصال جاذبا لأنها قسمت البلاد بموجب بروتوكول ميشاكوس على أساس ديني. بينما كان الأوفق تجنب ذلك وتخصيص الأحكام الإسلامية على أهل القبلة فالإسلام يجيز التعددية القانونية وكذلك القوانين الوضعية. هذا التقسيم على أساس ديني للبلاد يمهد للانفصال. كذلك بروتوكول الثروة خصص 50% من بترول الجنوب للجنوب ما يعزز دعوى الانفصالي الجنوبي للانفصال لينال كل بتروله. كان الأوفق نسبة ما يخصص للجنوب من تمييز قاصد لمجمل الثروة القومية، واعتبر ان السيناريوهات التي تمت في انتخابات أبريل 2010م التي سيطر بموجبها المؤتمر الوطني على شمال السودان و الحركة الشعبية على الجنوب،بالنسب الشرق أوسطية المعهودة - أي 90% فما فوق ، وتبادلوا بعدها الاتهامات بالتزوير سوف تلقي بظلالها على عملية الاستفتاء بمعنى قيام الحزب المعني لإجراءات الاستفتاء في مناطق سيطرته بتزوير النتائج . وصف المهدي الوضع القانوني في حوض النيل بالمضطرب في وقت يصادف انفصال جنوب السودان المرجح الذي تدل المعطيات الحالية على أنه سوف يكون عدائيا فيتداخل مع أزمة حوض النيل ، وقال ان النيل على طوال تاريخه كمورد مائي شأن مصري. لذلك كانت كافة الترتيبات القانونية في حوض النيل تكرس هذه الأحادية في أمر النيل، واستعرض امثلة علي ذلك بروتوكول 1891م بين بريطانيا نيابة عن مصر وإيطاليا نيابة عن أثيوبيا ومعاهدة 1902م بين منليك إمبراطور أثيوبيا وبريطانيا ومعاهدة 1906م بين بريطانيا وحكومة الكنغو واعتبرها كلها كان فحواها عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤثر سلبا على تدفق مياه النيل شمالا الا ان الامر تحول بعد احتلال بريطانيا للسودان وبدأ التفكير في أن يكون للسودان نصيب من مياه النيل خاصة وفيه أراض شاسعة صالحة للزراعة. وعندما اغتيل السير لي ستاك حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري في القاهرة على يد وطني مصري قرر البريطانيون أن يخصص للسودان نصيب من مياه النيل على سبيل المعاقبة لمصر ولكي يستغل في ري مشروع الجزيرة في وسط السودان. وقد أدى ذلك لإبرام اتفاقية 1929م بين بريطانيا ممثلة للسودان، ويوغندا، وكينيا، وتنزانيا، والحكومة المصرية على أن يكون نصيب مصر 48 مليار متر مكعب والسودان 4 مليارات متر مكعب ولم يكن السودان بعد استقلاله راضيا عن الوضع القانوني في حوض النيل وبعد حلقات من التفاوض أبرمت اتفاقية 1959م بين مصر والسودان على أن يوزع كل فيض مياه النيل بينهما لكن هذه الاتفاقية استفزت دول منابع النيل وكلها عبرت بصورة أو أخرى عن عدم رضائها. وعاب المهدي على غالبية الباحثين الغربيين الاهتمام بشكلية الاستفتاء دون محتواه الذي قد يترتب عليه احتراب سوف يجعل اتفاقية السلام مجرد محطة لحرب أكثر دموية ودمارا من الحرب التي انتهت عام 2005م تماما كما حدث لاتفاقية أديس أبابا التي أنهت في عام 1972م حربا محدودة وسوء إدارة الاتفاقية ضمن عوامل أخرى أدت إلى اندلاع حرب في 1983م أكبر وأخطر. وطالب باتباع اجندة وطنية لتجاوز المخاطر عبر إجراء استفتاء نزيه بواسطة جهة محايدة ومؤهلة بحيث لا يستطيع أحد أن يطعن في نزاهته ابرام اتفاق قومي على أسس للوحدة تتجنب فجوات اتفاقية السلام وتطرح رؤية تقوم على الندية، ضرورة الاتفاق على خطة بديلة في حالة اختار الجنوبيون الانفصال تجعله انفصالا محدد المعالم مفصلا لحقوق وواجبات الشمال والجنوب بصورة شاملة، اسناد كافة النقاط الحدودية المختلفة عليها وأية نقاط خلافية مستعصية لمفوضية حكماء يتفق عليها قوميا وتعطى ما يكفي من الوقت دون ربط ذلك بمواعيد الاستفتاء.العمل على حل أزمة دارفور بما يستجيب لمطالب أهلها المشروعة لانها خطيرة في حد ذاتها والآن تداخلت مع المشاكل الجنوبية الشمالية على أن تعمم سابقة دارفور على أقاليم السودان الأخرى من باب العدالة الاستباقية ، وحدد النقاط السابقة كمطلوبات عاجلة يجب الاتفاق عليها كاجندة وطنية على الصعيد القومي ووضع المهدي خطة قومية لإدارة الموارد المائية بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء . وهي تقسيم موارد النيل المحددة وفق ما يتفق عليه في اتفاقية جديدة لحوض النيل يشترك فيها الجنوب وكافة دول الحوض ، العمل علي حصد موارد الأمطار وما توفر من مياه سطحية وتقدر سنويا بما لا يقل عن 200 مليار متر مكعب أي ثلاثة أضعاف تدفق مياه النيل سنويا، التخطيط لاستغلال موارد المياه الجوفية التي تقدر بحوالي 180 مليار متر مكعب وإبرام اتفاقيات حول الأحواض المشتركة بين السودان وجيرانه. - بعد الاتفاق على حصص مياه النيل يمكن للسودان لأنه يملك أكبر مساحة أراض صالحة للزراعة أن يتفق مع بعض جيرانه على أساس المزارعة لتحقيق الأمن الغذائي، واضاف على نفس أساس التكامل ينبغي الاتفاق الحوضي على توحيد الشبكة الكهربائية واستغلال مرتفعات الكنغو وأثيوبيا لتوفير الكهرباء الكهرومائية وطالب بضبط استهلاك المياه وتسعيرها لان الماء ليس كالهواء ، وقال من هذه الأسس تكون خطة قومية للموارد المائية يديرها مجلس قومي للموارد المائية وتنسق مع الخطة التنموية في المجالات: الزراعية- والصناعية- والسكانية- والبيئية. هذا ما تمت مناقشته في الجلسة الصباحية وبعده تم مناقشة ثلاث اوراق اخرى سنواصل عرضها ، لكن لابد من التوقف عند امر مهم وهو هل تجد مثل هذه الاوراق والمناقشات من يستمع لها، هذا ما ردده اكثر من متابع للورشة امس .