في كتابه الأخير الذي سماه “امشاج”: “.... لقد وصلت متأخراً يا بني.... صرفتك عنا النزهة في مقام التلوين، وتعددت أمام عينيك المسالك في حدائق الأشكال والألوان. ناديتك قبل نشر القلوع فتشاغلت عنا بالبنفسج والأرجوان. ولما أوغل بنا السفين في ثبج اليم رأيناك تلوح وتنادي فكان ما كان. انتسب لنادي الماء علك تروى”. في هذه الكلمات القليلة، وفي نص مكثف يطرح المسافة بين ارادتي الرسم والكتابة، إنه يرى في انتسابه لنادي الماء، نادي هذا الكائن المشترك الذي ترتشف منه جميع المخلوقات الحية. هذه الوحدة الواحدة المذاق لأن لا مذاق لها، والواحدة اللون لأن لا لون لها، وحدة الصفة المائية الجامعة، هي التي تصلح أن تتحول إلى حضور اجتماعي يكون هو الاتفاق الأول بين جميع بني البشر على قاسم مشترك اسمه الماء، وهذا الاتفاق المبدئي لا بد وأن يتبعه أكثر من اتفاق على الهواء والأرض، فيما الأساس السابق لكل هذه المسلمات هو الإقرار بوحدة الانتماء الحياتي إلى أسباب الحياة حيث كل اتفاق وجداني هو اعتراف صريح بوحدانية الخالق. لوحات عبد العال تتحول حتماً فهي كلما اتسعت دائرة المعرفة عند هذا الفنان المفكر تزداد كثافة وباطنية بالقدر الذي تتجرد فيه العناصر الإنسية من قشور صورتها المعروفة لتظهر باطناً مملوءاً بالإشارات. أما الألوان فإن فصاحتها التي كانت تجيء عبر غنائيتها، فقد أسقط عنها الفنان كل هذا الجدل القديم معلناً الآن كثافة العلاقة بين اللون ومشتقاته السفلى لا العليا حسب منهج التأثيريين.إنه فنان باتت فرشاته أكثر حرية وجرأة على خلق العلائق اللونية التي تفسح بالكشف عن فضاءات قابلة للاستيطان الذوقي. من عمران القيسي