كما جاء في الحلقة السابقة من هذه الدراسة التحليلية لموضوع مهم، هو محاولة متابعة طريقة عمل الدول العظمى في مواكبة المتغيرات والمستجدات التي تحدث في العالم، وبوتيرة مستمرة. كذلك، فإنها، اي الدول العظمى، او الدول الكبرى، او الدول المتقدمة، او دول العالم الاول، كما يطلق عليها، فإن جميع هذه التسميات صحيحة، وعلى درجة كبيرة من الواقعية، وحسب المعايير العلمية الدقيقة. لقد بدأنا بدراسة تحليلية للمثال الروسي في مراقبة ومتابعة ودراسة الأحداث والمستجدات في العالم، لكي تقوم بإجراء التعديلات والتطوير والتحسين والتجديد والتحديث في خططها واستراتيجيتها، بناءً على ما يستخلصه العلماء والمتخصصون والخبراء من واقع تلك الاجراءات، حتى تواكب المراحل المختلفة من التطور والتبدل والتحول في جميع مجالات الحياة. المثال الروسي مهم جدا، ويصلح للدراسة والتحليل لأسباب عديدة، من بينها أن روسيا هي احدى الدولتين التي تتربع على قمة هرم الدول العظمى، والتي تكون المجموعة التي تمتلك اكبر القوى العسكرية، او الترسانات النووية، كما انها احد اكبر اقتصاديات العالم، وخصوصا في مجال انتاج وتصنيع الاسلحة، بمختلف انواعها، ولها مكان مرموق بين اكبر منتجي ومصدري البترول والغاز ومشتقاتهما في العالم، بالاضافة الى انها احد القواسم المشتركة في جميع الشؤون والاحداث الدولية المهمة. من اهم مميزات روسيا، هي انها احدى اقدم المدنيات في العالم، والتي بدأت منذ قرون، وقد استمرت لمدد طويلة، حتى وقتنا الحاضر. هذه بعض الأسباب، على سبيل المثال وليس الحصر، تجعل من روسيا دولة رائدة وقائدة في عدة ميادين، ومن المفيد إجراء دراسة وتحليل ومتابعة لانجازاتها، في الميادين التي أحرزت فيها انجازات واضحة ونجاحات جلية، والاستفادة من الدروس التي يمكن استخلاصها، ونقل التجارب التي يمكن نقلها، وفي نفس الوقت تفادي تكرار اية اخطاء تكون قد وقعت، او اخفاقات في التقدير او التطبيق. وفي مجال تجديد روسيا لخططها واستراتيجياتها، حسب التطور والمتغيرات والاحداث والعوامل والمستجدات في العالم، وبما انه لا يمكن استبعاد حدوث اية احداث مفاجئة، فقد صرح الجنرال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، صرح لصحيفة «روسيسكا جازيتا» بأن روسيا قد أعدت مشروعا جديدا لرسم عقيدتها العسكرية. هذا المشروع الجديد يأخذ في الاعتبار جميع المخاطر المحتملة، مثل الصراع على مصادر البترول، الذي من الممكن ان يتحول الى صراعات مسلحة، وتمدد عضوية حلف الناتو باتجاه حدودها الشرقية بعد أن ضم لعضويته عدة دول من شرق اوروبا، وانتشار اسلحة الدمار الشامل، خصوصا الاسلحة النووية، ومسألة مخاطر الارهاب الدولي، وغيرها من أحداث فجائية قد تقع في أي وقت. وكما يعرف الجميع، فإنه بين حالتي الحروب والسلام توجد فروق كثيرة، بل ان هنالك كثيرا من التضارب بين وقائعها ونتائجها وانعكاساتها على الاطراف كافة. هذا هو ما يمكن استخلاصه وبشكل واضح جدا، عند دراسة احوال وتحليل المسارات السياسية التي تتخذها مختلف الدول، خصوصا الدول العظمى وتلك الاقوى والاكثر تقدما، والاجراءات التي تتبناها مختلف اداراتها، والخطط التي ترسمها للتعامل مع جميع المستجدات وفي مختلف المجالات. وعندما تسود الحروب، فإن الروح العدائية والعلاقات المتوترة تصبح هي الوضع السائد بين مختلف الحكومات والدول. وفي أحيانٍ كثيرة فإن هذه الروح العدائية تتسرب إلى العلاقات بين مجتمعات وشعوب تلك الدول، بما في ذلك العلاقات الشخصية بين الافراد، وينطلي ذلك على التعامل والتواصل بينها. أما عندما تتوصل الحكومات، وبالتالي الدول، الى علاقات سلمية فيما بينها، فإن تلك العلاقات تتحول من علاقات عدائية مليئة بعدم الثقة والتوجس والكراهية ومحاولة ايذاء كل طرف للطرف، او الاطراف الاخرى، وتربص كل طرف بالاطراف الاخرى، محاولين الايقاع بكل الشعب والدول الاخرى، وتغيب روح التعاون وتبادل المنافع والحفاظ على المصالح المتبادلة والمنافسة الشريفة، وتحل بدل منها روح التشاكس والتنافر وتجري محاولات كل طرف لمعاكسة الاطراف الاخرى ووضع المعوقات والعراقيل في الطرق حتى لا تتمكن من تحقيق اية مكاسب، حتى وان كانت على حساب جميع الاطراف، او ان كانت تسبب عدم تحقيق اي طرف لمكاسب او نتائج مفيدة، او حتى وان كانت تتسبب في تكبد جميع الأطراف لخسائر او ان تتحمل اذى من الممكن ان يصيبها، لا لسبب سوى مقاصد التخريب والتدمير للغير. هنالك عامل آخر، وهو مهم جدا وفي غاية الخطورة، ومن عدة نواحٍ، ان هذا العامل يؤثر على اكثر المجالات الاخرى، ان لم يكن يؤثر في جميعها، بدرجة او بأخرى، سواء أكانت اجتماعية او اقتصادية او مالية او اجتماعية او صحية او نفسية او سلوكية، وهلم جرا، حيث أن الحياة هي سلسلة من حلقات متشابكة، وتؤثر كل حلقة على الحلقات الاخرى ، سواء تلك القريبة منها والمتصلة بها مباشرة، او تلك البعيدة عنها، او التي قد تبدو بعيدة عنها، ولكنها في الواقع لا تستطيع ان تكون منفصلة عن غيرها انفصالا تاما. هذا العامل، الذي يتفق عليه اغلب المراقبين والمحللين اتفاقا يقارب الاجماع، هو موضوع التحضير للحروب والصدامات المسلحة، حيث أن هذا يستدعي تكوين جيوش وقوات مسلحة بأعداد بشرية كبيرة، تفوق كثيرا اعدادها في الأوقات التي يسود فيها السلام والوئام. ومن المعروف أن الجيوش تحتاج الى تسليح وتجهيز، من بين احتياجات اخرى كثيرة، وجميعها تحتاج وتستهلك قوى الشعب وميزانيات مالية ضخمة، ليس من بينها اي بند منتج او مساهم في التنمية، سواء أكانت تنمية بشرية او مادية، او بند يدر ارباحاً اكيدة، بل في الحقيقة أن أغلبها هو مجرد هدر للامكانيات البشرية والمالية. فما هو المشروع الروسي الجديد..؟! وليلهمنا الله لعمل الخير وتجنب الشرور والخطايا. «سنواصل إن شاء الله» عضو المكتب السياسي حزب الأمة