تناولت في الحلقتين من الدراسات التحليلية لتميز الدول المتقدمة- أو دول العالم الاول وخصوصاً الدول العظمى والكبرى في قيامها بتخصيص مراكز ومؤسسات متخصصة في مراقبة ومتابعة الاحداث والمستجدات التي تحدث في العالم- ويقوم علماء وخبراء ومتخصصون بالعمل في هذه المراكز والمؤسسات المتخصصة والاشراف على تحليلها ودراسة تفاصيلها، ثم استخلاص الدروس المفيدة لرسم خطط واستراتيجيات حديثة وكذلك تحديث ما هو قائم بالفعل. هذا يمثل التفاعل الحضاري والواقعي للمتغيرات في العالم. لقد اخذنا روسيا مثالاً، لما تتمتع به من مؤهلات ومواصفات كاحدى الدول الاعظم والاقوى في العالم والتي تملك مقومات وقوى احدى اقدم المدنيات واطولها عمراً في تاريخ العالم، كما انها لا زالت رائدة في عدة مجالات، سواء كانت في المجالات الاقتصادية او الصناعية او المعمارية او الانسانية او الثقافية او الفنية او الانتاجية وغيرها كثير من مجالات الحياة المختلفة والمتنوعة. في هذا السياق أعلنت روسيا على لسان سكرتير مجلس الامن الروسي في لقاء مع صحيفة «روسيسكايا جازيتا» حيث اعلن الجنرال نيكولاى باتروشيف ان روسيا قد فرغت من اعداد خطط باستراتيجيتها العسكرية الجديدة، والذي جاء مواكباً لهموم المرحلة الحالية من اوضاع الدنيا ومواجهة مشاكلها القائمة وتلك المتوقعة مستقبلاً. أخذت هذه وقتاً طويلاً في الاعداد وشارك في دراستها ومناقشتها خبراء وقواد على مستوى جمهورية روسيا الاتحادية لتأتي شاملة متكاملة على قدر الامكان، لمواجهة اهم المخاطر الحالية التي تواجه دول العالم، منها على سبيل المثال امكانية حدوث صراع على مصادر البترول، وقد يتطور مثل هذا الصراع الى صراعات مسلحة، كما ان تمرد عضوية حلف الناتو شمل الدول التي تقع على حدود روسياالغربية، بالاضافة الى مخاطر انتشار اسلحة الدمار الشامل واخطرها الاسلحة النووية، تعدد قواعد الارهاب الدولي، وهلم جرا، وجميع هذه المواضيع تقلق المسؤولين في روسيا. حسب ما جاء في الاعلان عن اكتمال صياغة مشروع العقيدة العسكرية لروسيا الجديد، فانه يتكون من مقدمة وثلاثة اجزاء وبذلك فقد تم احداث تغيير وتحديث لاساليب رسم السياسات والخطط نفسها. تحوي المقدمة شرحاً بسيطاً وموجزاً لها والمبادئ الاساسية التي تتكون منها والعبارات التي حوتها. بدأ الجزء الاول بذكر قائمة من المخاطر الحربية والتهديدات الامنية تقييم لتلك الاحتمالات بالاضافة الى المخاطر الداخلية والتهديدات الخارجية وطبيعة الحروب التي من الممكن ان تجبر روسيا على الاشتراك بها او المشاركة فيها، بأية درجة او اي صورة. وفي نفس الوقت يقدم هذا الجزء الاول دراسة حول الاسلحة التي من الممكن ان تستعمل في الاعمال القتالية من اسلحة حديثة واسلحة دمار عن بعد والطائرات بدون طيار، والآليات البحرية الحربية، الاجهزة الحديثة، والتي من بينها أجهزة في غاية التعقيد والاسلحة الحديثة الاخرى. هذا يعني امكانية استعمال جميع الامكانيات والمعدات الحربية التي من الممكن ان تساهم في العمليات الحربية والمجهود العسكري وهذا يمثل امكانية حدوث اصابات بشرية كثيرة وان ينتج خسائر مادية كبيرة. اما الجزء الثاني من هذا المشروع الجديد الذي يعيد رسم العقيدة العسكرية الروسية الجديدة فانه يوضح ان الواجب الاساسي للاستراتيجية والخطط العسكرية الروسية تتمثل في ان تكون رادعاً حاسماً ومانعاً قوياً لقيام اية حروب واشعال أية مصادمات عسكرية وعدائية بين أية جهات، وبذلك فانها تكون في حقيقتها خططاً دفاعية محضة وتخلو من اية نوايا عدائية. في نفس الوقت فانه يؤكد حق روسيا في ان تلجأ لاستعمال القوة عندما تكون هنالك حاجة لصد اي عدوان اذا قامت او حاولت اية قوة معتدية بشنه على اراضيها، او على اراضي حلفائها ولاستعادة السلام مع الاستعانة بمجلس الامن الدولي وجميع المؤسسات الدولية الاخرى المعنية بشؤون السلام العالمي لتأمين العودة الى حالة السلام العالمي. كما انها لم تترك الامر بدون تنظيم، بل يقوم المشروع بتحديد قواعد وحدود استعمال القوات المسلحة والقوات الاخرى، وفي كل من حالتي الحرب والسلام كل على حدة، مع ذكر التفاصيل المهمة وبكل وضوح حتى ا تضع مجالاًَ للاخطاء، بل ان تكون كل الاجراءات منظمة ومؤسسية وحسب الخطط والقوانين الموضوعة، حسب كل حالة. تأتي هذه الاجراءات والتنظيم والاحتياطات الاحترازية احتراماً للسلام والشرعية ومنعاً لامكانية حدوث أي تجاوزات او اخطاء حيث ان القيام بأية خطوة غير صحيحة، او غير دقيقة حتى وان تم عن طريق الخطأ او السهو او سوء التقدير، فانه قد يتسبب في حدوث كوارث لان قوة الدول العظمى هي قوة ضخمة وخطيرة، وآثارها غير محدودة والضرر الذي تسببه قد يكون وخيماً وغير محدود العواقب. كما ذكرنا من قبل فان كل الاجراءات في الدول العظمى والمجتمعات المتقدمة تتم بعد دراسات وافية وبناء على خطط واستراتيجيات مدروسة وموضوعة بحذر وتقنية وتحديد للتفاصيل المهمة وبشكل وافي. ماذا اذاً يمكن ان يجيء في الجزء الثالث من المشروع الروسي الجديد ليضيف الى ميزاتها؟ وليلهمنا الله العمل الخير وتجنب الشرور والخطايا. * عضو المكتب السياسي- حزب الأمة