هنالك فرق كبير بين حالة الحرب وحالة السلام - فمحاسن السلام كثيرة منذ سقوط النظام السوفيتي - غيرت روسيا من نظرياتها العسكرية - وتبنت نظريات جديدة - حتى تتماشى مع عهد السلام - وذلك بعد انتهاء الحرب الباردة. في نظريات اواخر العام الماضي - اعلن الجنرال نيكولاي باترشيف ان هنالك مشروعاً جديداً للمبادئ العسكرية - وقد قام قادة المناطق بدراسته ومراجعته في زيارات عديدة لمختلف المناطق - وابدوا ملاحظاتهم عليه - فتم تعديله وتحسينه بعد اخذها في الاعتبار والاستعانة بها - حتى تم تجهيزه بصورة عصرية - فتتناسب بصورة اكثر واقعية مع المستجدات التي حدثت بين عام 1993 - وهو التاريخ الذي اعد فيه المشروع السابق - وبين عام 2000 - الذي اعد فيه المشروع الذي يليه. لقد كانت النظرية السائدة في عام 1993 هي ان عهد الحروب قد انتهى الى الابد - لكن بمرور الوقت وقعت احداث عديدة اظهرت ان تلك النظرية السلمية كانت متفائلة اكثر من اللازم - وان الواقع يختلف عن الاماني - وانه لا زالت هنالك مخاطر كثيرة من قيام حروب جديدة - بما في ذلك الحروب الخطيرة والمدمرة. لا شك ان هنالك مستجدات كثيرة تحدث في هذا العالم - ولذلك لا يمكن استبعاد حدوث أية مفاجئات - حسب ما جاء في اللقاء الذي اجرته صحيفة «روسيسكايا جازيتا» مع الجنرال نيكولاي باتروشيف - سكرتير مجلس الامن الروسي - وان المشروع الجديد قد اخذ في الاعتبار جميع المخاطر المحتملة - مثل الصراع على مصادر البترول - والذي من الممكن ان يتحول الى صراعات مسلحة - تمدد عضوية حلف الناتو - انتشار اسلحة الدمار الشامل - وخصوصا الاسلحة النووية - ومسألة الارهاب الدولي. هنالك فرق - او ربما اكثر من فرق - بل إنه في الحقيقة - توجد فروق كثيرة بين حالتين هما الحرب والسلام. هذا هو ما يظهر عند دراسة احوال وتحليل المسارات السياسية التي تتبعها مختلف الدول - والاجراءات التي تتبناها، مختلف الادارات - والخطط التي ترسمها للتعامل في مختلف المجالات. عندما تسود الحروب - فإن العلاقات تكون عدائية بين مختلف الحكومات - هذا بالتأكيد يضفي بظلاله على العلاقات بين الدول - وربما يمتد هذا الى العلاقات حتى بين شعوب هذه الدول وحتى افرادها. اما عندما تتوصل الدول او الحكومات الى علاقات سلمية فيما بينها - ان تلك العلاقات تتحول من علاقات عدائية الى علاقات مختلفة تماما ،انها تتحول الى خليط من التعاون والتنافس في نفس الوقت - ولكنها تتم في جو سلمي ويظللها الاطمئنان والتحرر من روح الخوف والتوجس. في هذا السياق - قامت روسيا بوضع خطتها الاستراتيجية التنموية وصاغتها من مقدمة وثلاثة اجزاء - واحدثت بذلك تغييراً وتحديثاً لأساليب رسم السياسات والخطط نفسها. المقدمة حوت شرحا بسيطا وموجزا لديها والمبادئ الاساسية التي تتكون منها - والعبارات التي حوتها. بدأ الجزء الاول بذكر قائمة من المخاطر الحربية - والتهديدات الامنية - وتقييم لتلك الاحتمالات - بالاضافة الى المخاطر الداخلية والتهديدات الخارجية - وطبيعة الحروب التي من الممكن ان تجبر روسيا على الاشتراك فيها. في نفس الوقت قدم هذا الجزء دراسة حول الاسلحة التي من الممكن ان تستعمل في الاعمال القتالية - من اسلحة حديثة - واسلحة تدار عن بعد - والطائرات بدون طيار - والآليات البحرية الحربية - والاجهزة الحديثة التي في غاية التعقيد - والاسلحة المتقدمة الاخرى.. اما الجزء الثاني من هذا المشروع ، فإنه قد اوضح ان الواجب الاساسي للاستراتيجيات والخطط العسكرية الروسية تتمثل في ان تكون مانعا قويا ورادعا حاسما لقيام اية حروب او نشوء أية مصادمات عدائية بين اي جهات - وبذلك فإنها خطط دفاعية وتخلو من النوايا الهجومية. في نفس الوقت - فإنها تعتقد انه من حقها ان تلجأ لاستعمال القوة لتصد اي عدوان قد تشنه قوى معتدية - سواء ان وقع ذلك الاعتداء عليها او على حلفائها - واستعادة السلام بالاستعانة بقدرات تصدر عن مجلس الامن الدولي والمؤسسات الدولية الاخرى المعنية بشؤون السلام العالمي، كذلك فإنها حددت قواعد وحدود استخدام القوات المسلحة والقوات الاخرى في حالتي الحرب والسلام - وبكل وضوح. تأتي كل هذه الاجراءات احتراما للسلام والشرعية ومنعا لإمكانية حدوث اي تجاوزات او اخطاء. جاء الجزء الثالث - الذي ختم المشروع الجديد - تحت عنوان المنظور الاقتصادي والفني للانشطة العسكرية. من المعروف انه بعد ان انتهت الحرب الباردة - قامت جمهورية روسيا الاتحادية بتخفيض عمل بعض المجمعات الصناعية التي تتخصص في الانتاج الحربي - كما انها قامت بتحويل البعض الآخر الى تصنيع بعض المنتجات المدنية - اي غير العسكرية - او اوقفت عملها مؤقتا..! لكن بمرور الوقت تغيرت بعض الاوضاع على الكرة الارضية - واستجدت احداث احتاجت الى اعادة النظر في تلك السياسات - واتخذ المسؤولون في روسيا قرارات تقضي باعتبار ان تحديث مجمعات التصنيع الحربي هو امر ذو اولوية في الاهتمام - لتتمكن من معاودة العمل بكفاءة - لتزود القوات المسلحة والقوات الاخرى باحتياجاتها المختلفة - من اسلحة ومعدات حديثة تحتاجها في اعمالها القتالية. ان زيادة قوة عمل هذه المؤسسات والمنشئات الصناعية المتخصصة في الانتاج الصناعي الحربي - لا تمثل فقط حلولا للاحتياجات العسكرية - بل انها تساهم ايضا في انشطة اجتماعية مهمة - وتساعد في تحسين الاوضاع الاجتماعية لاعداد كبيرة من المواطنين في جميع انحاء الاتحاد الروسي - وترفع من الأجور وتزيد من فرص العمل للمواطنين في كل مكان. من المهم دائما ان تقوم الشعوب بتحديث وترقية خططها وانشطتها بصفة مستمرة - حيث ان ذلك يساهم في التقدم العلمي والعملي والاجتماعي - بالاضافة الى تحسين احوال تلك الشعوب نفسها. هكذا تمت صياغة العقيدة الاستراتيجية الجديدة بدقة - لتقسيم الخطط الدفاعية الى اجزاء ودرجات - كما رسمت الخطط لتجهيز قوات الاتحاد الروسي بالاسلحة والمعدات الحربية والاحتياجات اللوجستية الاخرى. في نفس الوقت - فإن روسيا قد وضعت خطة واضحة وصارمة على استعمال الاسلحة الذرية للرد على اي اعتداء عليها - قد يشنه اي من اعدائها على اراضيها او على حلفائها بأسلحة تقليدية ، لاشك ان ذلك ضمانات جيدة لتأمين السلم الدولي والحفاظ على سلامة العالم من مخاطر اشتعال حروب نووية - بالاضافة الى ان هذه القيود نبعت من وضع روسيا كقوة نووية محترمة وقوية - تستطيع ان تمثل رادعا لأي اعتداء ومن اي اعداء قد يفكرون في شن اعتداء عليها او على حلفائها. لكن في نفس الوقت - فإن امكانية اللجوء الى استعمال الاسلحة النووية لم يستبعد تماما متى اقتضت الحاجة لذلك - حسب كل حالة قائمة بذاتها - وبناء على نوايا الاعداء المحتملين - خصوصا في الحالات التي تستدعي رد الاخطار والردع من اي اعتداء والقيام بضربة وقائية. من المعروف ان روسيا في عهدها الحديث تعارض بشدة اللجوء الى استعمال الاسلحة والقتال لحل اي خلافات - ناهيك عن استعمال الاسلحة الذرية - كما انها اصبحت شريكا نشيطا في مجالات نزع السلاح ومنع انتشار الاسلحة النووية. هذه هي سياسات روسيا في زمن السلم والبعيدة عن اجواء الحروب الساخنة والباردة. يتماشى هذا مع مبادئها في حل جميع الخلافات من خلال القيام بمفاوضات والحفاظ على السلام بين دول العالم. كل ذلك يؤكد انه من الافضل لجميع الشعوب ان يسود السلام والتعاون بينها - بدلا من العداء، نتمنى ان يسود السلام جميع ربوع السودان ويستطيع الشعب السوداني الطيب ان يعيش بسلام وطمأنينة، وليلهمنا الله لعمل الخير وتجنب الشرور والخطايا... سنواصل إن شاء الله.. * عضو المكتب السياسي - حزب الأمة