٭ جاء بالقول الفصل وقطع حينها قول كل خطيب، وكأنه بذلك وضع حداً فاصلاً لسيناريوهات تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في اتفاقية سلام دارفور بين الحكومة وحركة جيش تحرير السودان. مفوض مفوضية الترتيبات الأمنية بالسلطة الانتقالية الفريق محمد احمد الدابي، نفضت كلماته الغبار عن مماطلة رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي حول الملف الشائك والمعقد الترتيبات الأمنية، فبين تمسك مناوي بقواته ورفض دمجها وبين إصرار الحكومة على الالتزام بإنفاذ كل بنود اتفاقية أبوجا، وقفت كل الجهود لحين إشعار آخر. فالرجل الممسك بزمام الملف أخرج هواءً ساخناً ظل يجثم على صدره طيلة أربعة أعوام ونصف العام عن .. وعن .. «الصحافة» جلست إليه وحاورته حول كثير من ترتيبات الإنفاذ ومعوقاته، فجاءت إجاباته على الرغم من حساسية الملف وسخونته والوقت الحرج الذي تصاعد فيه، جاءت غير مختزلة وواضحة. ٭ عبد الواحد محمد نور على الرغم من عدم امتلاكه لقوات مسلحة إلاّ أن مؤيديه داخل المعسكرات في تزايد مستمر.. ألا ترى فيه مهدداً أمنياً؟ عبد الواحد يمارس الخداع على المواطنين في معسكرات النزوح بأوهام وأحلام كاذبة، ففي ذات مرة قال لى أحد المواطنين لماذا أرجع إلى القرية وعبد الواحد وعدنا بأن يعطي الفرد منا مبلغ «2500» دولار أمريكي، فعبد الواحد باع الناس أوهاماً وطلب منهم عدم الرجوع لقراهم مقابل إعطائهم مبالغ خرافية، لكن الدولة لو كانت تمتلك أن توزع كل تلك المبالغ فمعنى ذلك أنها دولة كبيرة وتمتلك قدرات مهولة، ولن يكفي كل بترول السودان لتغطية كل النازحين، وحتى التعويضات المتفق عليها مع الحكومة لا تعني إعطاء أفراد مبالغ مالية يتم صرفها ويعودوا ومرة أخرى ليطلبوا مزيداً من المال، وإنما التعويضات تتم ببناء مجمعات سكنية وإحداث تنمية في المجتمع وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية ومؤسسات خدمية لتحقيق الاستقرار. ٭ قوات البعثة المختلطة لحفظ السلام في دارفور «اليوناميد» أضحت في كثير من الأحيان موضع اتهام من قبل ولاة ولايات دارفور، وأنها تأوي متمردين داخل أراضيها؟ بعثة اليوناميد تحمل التناقض في داخلها، وأفراد البعثة في أغلبهم عناصر إفريقية وهناك خبراء غربيون لديهم أهدافهم التي ينفذونها تجاه السودان، ولدينا شك بأن عناصر من اليوناميد تتعامل بازدواجية مع قيادة البعثة، وتتعامل بوجه آخر مع قيادة البلدان التي أتوا منها، فنحن نعلم تمام العلم أن هناك أفراداً من البعثة المشتركة مدفوعون بأجندة من دولهم، بالتالي لا بد من تحقيق الأهداف التي بعثوا بها، وإلاّ سيفقدون وظائفهم سواء أكانت في البعثة أو المنظمات، وقيادة اليوناميد في دارفور لا تمتلك القدرة حتى تسيطر على تلك المجموعات بحكم القوي على الضعيف. ٭ لكن على الرغم من كل ذلك مازلت الحاجة للبعثة المشتركة قائمة لحفظ وإنفاذ الاتفاقيات التي ستوقع مع باقي الحركات المسلحة حركة التحرير والعدالة؟ من المفترض بعد توقيع اتفاق السلام وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق، ألا يكون لها وجود، لأن مهمتها في الأساس حفظ السلام في السودان ولا تصلح لأن تكون موجودة بعد تحقيق الاستقرار في المنطقة، فحينها لا تكون هناك حاجة لليوناميد في دارفور، وإلاّ ستكون دولة لها السيادة في دارفور دون الحكومة المركزية. ٭ الآن مع مَنْ سيتم تنفيذ الترتيبات الأمنية بعد الانشقاق الأخير داخل حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاقية ابوجا؟ أنا لا أتحدث عن أفراد، فحركة ال (A.L.S) موجودة، مني ومن معه من قوات يذهبون ويرتزرقون ليست لدينا مشكلة معهم، وإذا أتوا إلينا سنقاتلهم، والحكومة عندما وقعت اتفاق سلام دارفور وقعت مع جسم كيان وليست مع مناوي، فماذا إذا ذهب مني أو مات؟ فستكون هناك قيادات كثيرة داخل الحركة ذات تأثير ووزن، وأنا أتعامل مع هذه القيادات أياً كان حجمها وبغض النظر عن رؤيتك في كونها كبيرة أو صغيرة الحجم، سأتعامل معها في إنفاذ الترتيبات الأمنية، وسبق أن نفذت مع خمس مجموعات لا تتبع ل (A.L.S) نفذت مع خمسة تنظيمات سياسية تعمل الآن كأحزاب سياسية داخل البلد، السودان أنا، الإرادة الحرة، حركة تحرير السودان الأم .. الخ. وقد تم وقتها استيعاب «1600» مقاتل الآن تعمل في دارفور ضمن القوات المسلحة والشرطة السودانية، إذاً لا توجد صعوبة في أن ننفذ مع المجموعات المتبقية من حركة مناوي الذي إذا استمر الحال على ما هو عليه بالنسبة لمني، فأنا متأكد من أنه لن يجد احداً يحمل له «بندقية»، إلاّ إذا جلب مرتزقة من جنوب السودان، فهذا أمرٌ آخر، لكن من داخل دارفور من المستحيل أن يتحقق له ذلك، ثم أن هناك مجموعة من القيادات مع أبوجا ومع السلام، ونحن نرحب بهم في بلدهم داخل اتفاقية أبوجا. ٭ «مقاطعة»: لكن من بقي داخل هذا الكيان عبارة عن مجموعة من القيادات دون أن تكون لديها قاعدة أو قوات؟ لديهم قوات، وسبق أن قلت لك إن الانشاقاقات التي حدثت في الميدان كبيرة جداً، فمني لا يُسيطر على قواته وأنت تعرفين هذا. ٭ الإتفاقية حددت خمسة آلاف لاستيعابهم ضمن بند الترتيبات الأمنية.. الآن ما هو العدد المتوقع أن يكتمل استيعابه؟ أنا لا أحدد للمجموعات المتبقية عدداً، فالحكم عندي «المقاتل من يحمل السلاح وموجود في الميدان»، حينما أقف في الميدان وأنظر كم من حاملي السلاح موجود، وأنا اقف في الميدان أنظر العدد الموجود داخل المعسكرات، إن كان عددهم ألف، وحاملو السلاح هم من يهموني، أعطيهم ألفاً، وإن كانوا اقل من ذلك نعطيهم أقل، وكل ذلك لا يتم إلاّ بالرؤية الميدانية ولدينا لجان عمل لتحقيق ذلك. ٭ لكن هل من الإنصاف التعامل مع جنود في ظل غياب قائدهم الذي من المفترض أن يتفاوض باسمهم؟ وهل من المنصف أن ننتظر مناوي حتى يرجع ونستوعبه ومن معه؟ ٭ ألا تظن أن استيعاب القوات في هذه الحالة سيكون صفقة سياسية مثلما تم تعيين سياسي لرئيس السلطة؟ أولاً تعيين رئيس مناوب لسلطة دارفور الإقليمية لم يتم بواسطة تعيين سياسي، والحكومة لم تتدخل في ذلك لا من بعيد ولا من قريب، ولا رئاسة الجمهورية تدخلت، وإنما تم ذلك وفق نص اتفاقية أبوجا البند الأول الذي نصَّ على أنه في حال غياب رئيس السلطة من حق ولاة ولايات دارفور الثلاث أن يختاروا من بينهم رئيساً مناوباً، ومهمته تنفيذية وإدارة مفوضيات المفوضية. ٭ وزير الداخلية أعلن أن قوات مناوي ستكون هدفاً عسكرياً.. هل معنى ذلك أن مناوي وقواته أصبحوا في خانة التمرد؟ من يرغب في الحرب ويلجأ لأسلوب الانسحاب ويحاول إعادة الكرة للحرب فهو هدف بالنسبة لنا، لكن من يلجأ للسلام ويؤثر السلام فنحن معه. ٭ ألا توجد محاولات وساطة الآن لرأب الصدع مع مني مناوي؟ لا توجد أية محاولات، وهو قد وقع معنا إتفاقاً ثم خطة للإنفاذ، ثم خطة توافق هذه الثلاثة محاور للاتفاقية، فبالتالي لا يحتاج لوساطة أحد. ونحن في الأساس متفقون، وإذا آب إلى رشده فهو مواطن سوداني تحق له العودة لوطنه. والحكومة أقوى مما يتصور الكل، وستكسر كل السهام المصوبة تجاهها، ثم نقول «البيابى الجودية بنغلب». ٭ هل تم تحديد أجل جديد لإنفاذ الترتيبات الأمنية؟ نحن جاهزون لاستيعاب أي شخص يأتي ويسلم سلاحه، والمفوضية أبوابها مفتوحة منذ اليوم وحتى يحين أجل الاتفاقية لاستقبال من يحملون السلاح من حركة (A.L.S) ٭ وكيف سيتم إخطارهم وما هي الآلية التي ستجمع بها تلك القوات بعد أن تفرقت بها السبل؟ هذا أمر لا يحتاج أن نصرح به في وسائل الإعلام، ثم أن هذا أمر يخص الحركة وحدها، فعليها جمع أفرادها وتسليمهم للإنفاذ. ٭ الإعلام بأجل الإنفاذ أليس من عمل المفوضية؟ الآن المفوضية وكل القادة والمجموعات التي تعمل داخل المفوضية في حالة استعداد كامل، وأوقفنا حتى أذونات العيد، والعيد الماضي لم يأتِ أحد الي الخرطوم، وظل الجميع مرابطاً في كل مدن دارفور نيالا، الفاشر، الجنينة في انتظار التوجيهات. ونحن جاهزون لاستقبال أي عدد من المقاتلين الذين نتمنى أن يأتوا إلينا في مجموعات وليس أفراد، نظراً لصعوبة التعامل مع الأفراد. ٭ وكيف تنظرون لقرارات الفصل التي سنها أخيراً في حق عدد كبير من مديري الإدارات داخل المفوضيات؟ هي إصلاحات في أشياء ليست ذات قيمة ولا معنى، فهناك أعداد كبيرة من المستشارين من دون أن تكون لهم حاجة، كما أن هناك تعيينات تمت بالمحسوبية، مثلما كان هناك « طرد» موظفين من غير مبررات واضحة، وخير مثال ال «22» شخصاً الذين طردهم مني قبل مغادرته لجوبا، فقط لاختلافهم معه في الرأي، وإذا كان هناك تحقيق يجري كان من الأولى أن يتم التحقيق في الفساد المستشري في السلطة وأموال التيسير التي كانت تصرف كل شهر بواسطة رئيس السلطة، ونسبة ال «15%» التي كانت تخصم من المرتبات شهرياً منذ أول يوم تسلموا فيه السلطة وحتى الآن، كل تلك أشياء غير قانونية تحدث داخل السلطة لكنها قطعاً سيتم إيقافها الآن. ٭ الحكومة نفسها اعترفت بأنها لم تعطِ السلطة كل استحقاقات الاتفاقية لعدم الالتزام بتنفيذ بنودها؟ السلطة الانتقالية منذ إنشائها وحتى اليوم تمت فيها المراجعة ست مرات، والآن هناك فريق للمراجعة يعمل داخل مفوضيات السلطة، وهناك خلل في إدارة الأموال داخل السلطة، وأنا باعتباري مفوضاً بلغت أكثر من مرة عن الاستقطاعات التي تتم من مال التيسير والاستقطاعات من المرتبات، فوجود رئيس السلطة السابق كان أحد معوقات إنفاذ عمل لجان المراجعة، والآن السلطة مكشوفة لأي فرد، لذا من حق هذه اللجان أن تعرف وتوضح الحقائق التي كان يعتم عليها من قبل بعض العناصر التي تدين بالولاء لرئيس السلطة. ٭ ألا تتفق معي أن الحرمان من استحقاقات الاتفاقية له تأثير مباشر على التنمية في دارفور وليس على الأفراد فقط؟ لم يتم الحرمان ومنع استحقاقات الاتفاقية، وإنما تأخرت فقط وذلك لعمل اللجان، فقبل عيد الأضحى تم صرف جميع الاستحقاقات للجميع بما فيها المتأخرات، وأنا بوصفي مفوضاً استلمت استحقاقات المفوضية وقمت بصرفها على جميع الموظفين، والآن لا يوجد فرد محروم من أي «قرش» فحتى مرتب شهر نوفمبر تم صرفه قبل العيد، بعد أن تم التصديق بدفع الاستحقاقات. ٭ ظل مطلب الإقليم الواحد لدارفور أحد المعوقات الرئيسية بين الحكومة والحركات الجالسة معها حول طاولة التفاوض في الدوحة، ألا ترى أن في ذلك تمهيداً مباشراً لمطلب تقرير المصير للإقليم ولو بعد حين؟ الإجابة واضحة هنا ومعلومة للجميع، وهو نهج أوجدته بعض الحركات التي تتفاوض مع الحكومة، حركة التحرير والعدالة، وتم ذلك بإيعاز من جهات أجنبية، بأن تكون دارفور إقليماً واحداً حتى يسهل التعامل معها مثلما تم في جنوب السودان. لكن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، وهذا المبدأ رُفض صراحة بواسطة رئيس الجمهورية الذي أعلن ألا رجعة للإقليم الواحد في دارفور. ٭ لكن أليس من حق أهل دارفور أن يُستفتوا في ذلك وفق اتفاقية أبوجا؟ إن اسُتفئ أهل دارفور سيرفضون الإقليم الواحد، و «200%» سيصوتون ضد الإقليم الواحد، لأن كل منطقة في دارفور تريد أن تشملها عمليات التنمية، كما تريد أن يمثلها معتمد ويكون لديهم تواصل مع الإدارة المركزية في الخرطوم بحيث تمكنهم من إدارة مواردهم باستقلالية، والإقليم الواحد سيحجم ذلك العمل إدارياً، بل ربما يتم تقسيم إداري أكثر مما هو موجود عليه الآن، فمن غير الممكن أن تكون موجوداً في الفاشر وتحكم شخصاً موجوداً في «أم دافوق»، فهذا أمر صعب. والاستفتاء سيتم لأن الاتفاقية مازالت موجودة. ٭ ثمة حديث يدور عن اقتناع الوساطة المشتركة في الدوحة بمبدأ الإقليم الواحد؟ في حال اقتعنت الوساطة بذلك فمعنى هذا أنها مدفوعة من جهات أجنبية، لكنها لم تعلن ذلك، وعندما سئل آل محمود عن هذه النقطة تحديداً في زيارته أخيراً لدارفور، قال نحن لا نقرر ما يقرره أهل دارفور، ولم يقل إنه اقنتع بذلك.