من هو هذا العبقري الذي صمم الحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة في الانتخابات، فالحملات الدعائية تقليدية، وليس فيها اثر لاجتهاد او ابتكار. افهم ان عقلية بعض شركات الإعلان في البلد لا تتعدى رزق اليوم باليوم وافهم ان بعضهم دخل لهذه المهنة من باب أكل العيش ولكني لا افهم أن تهدر احزاب كبيرة أموالها في حملات اعلانية لا تثمن ولا تغني من جوع!! تابع العالم الحملات الاعلانية للرئيس الامريكي اوباما إبان ترشحه للرئاسة ووقفوا على الابتكار والعبقرية في هذه الحملات، واذكر انني افردت حيزا كبيرا لاستقطاب اوباما لنجوم الفن في حملته الانتخابية وكيف استطاعوا استقطاب الجماهير لصف المرشح الديمقراطي الذكي الذي استخدم كل الوسائط الحديثة في حملته ببراعة واستعان اوباما ببعض اصحاب الخيال الواسع في حملته الذين يفهمون عقلية الجماهير وكيف يؤثرون عليها.. واستطاع ان يقدم خطابات مقنعة جعلت الامريكيين يعقدون الآمال عليه ويمنحونه اصواتهم بلا تردد. وفي الحملة الانتخابية الاخيرة في ايران افلح الرئيس احمدي نجاد في تقديم حملة دعائية موفقة معتمدا على طاقم مميز تمت الاستعانة به فقط في هذه الحملات تحت اشراف مساعدي نجاد وحتى منافسي نجاد لم تكن حملاتهم ضعيفة ولكن حملة نجاد كانت هي الأقوى وفي انتخابات الرئاسة السابقة بمصر اذكر انني كنت موجودا اثناء الانتخابات في القاهرة ووقفت على الجهد الكبير للحزب الوطني في تصميم الحملات حتى الصور التي كانت تعرض للرئيس حسني مبارك في الشوارع كانت تختار بعناية وظهر الرئيس مبارك وهو يرتدي القميص والبنطال ويخلع الجاكيت والكارفيتة لتقدم الصور دلالة ذكية بان الرئيس يعمل من اجل ابناء الشعب البسطاء بتواضع وبلا تكلف ويقدم مساحات الحرية. عندنا هنا الحملات الانتخابية للاحزاب تعتمد على الكم وليس الكيف.. والحزب الحاكم حزب المؤتمر الوطني، لم يقدم نموذجا لحملة انتخابية ناجحة كما يعتقد البعض فالذين استعان بهم الحزب في هذه الحملات خاصة في ولاية الخرطوم ركزوا على اعلانات الشوارع المضيئة في تصاميم لاعلانات لم تراع المهنية وركزت فقط على التكرار والتكرار الشديد في هذه الاعلانات المضيئة يمكن ان يؤدي الى نتائج سلبية فاعلانات الطرق يجب ان تكون بأساليب علمية واسس مهنية ومقاسات معينة وتحمل دلالات معينة.. حتى لا يشعر الجمهور ان الامر صناعة، فالذكاء في الاعلان هو عندما يشعر الجمهور ان الاعلان يأتي بطريقة طبيعية بلا تكلف ولكن ولاية الخرطوم قدمت اسوأ حملة اعلامية للمؤتمر الوطني، وتناست الحملات الانتخابية في الولاية الاتصال المباشر وهو من اهم انواع وسائل الاقناع ويقوم مرشح المؤتمر الوطني بمجهودات شخصية في هذا الجانب عبر لقاءات جماهيرية. والحملة في الصحف ضعيفة وفي التلفزيون الرسمي اكثر ضعفا فما معنى ان ينشر التلفزيون خطباً جامدة وتقارير اكثر جمودا اين المعالجات الحيوية، كنت اتوقع افلاماً جاذبة تسجيلية لمشروعات التنمية الكبرى وانجازات الانقاذ في السلام والبترول وغيرها.. للانقاذ انجازات لا ينكرها الا مكابر ولكن اكثر ما فشلت فيه الانقاذ هو الاعلام اعلام الانقاذ تقليدي ويفتقد لروح المبادرة!! حتى الآن اذا لم يلحق المؤتمر الوطني نفسه فهو يقدم حملة انتخابية مهزوزة!! رغم بعض الاجتهادات هنا وهناك ولكنها مجرد محاولات. وفي الجانب الآخر وقعت الاحزاب في الفخ فركزت على انتقاد الانقاذ ولم تقدم برامج مقنعة، في حزب الامة يعتمد الصادق المهدي فقط على مهارته في الخطابة علما انه في الآونة الاخيرة بدأ يتجه الى الارتجال وهذا لا ينفع في العمل الانتخابي ولكن من ميزات الصادق المهدي انه في لياقة ذهنية وقدرة على التواصل مع الصحفيين باستمرار، وهذه ميزة ايجابية، ولكن حزب الامة حتى الآن يقدم حملة انتخابية ضعيفة تعتمد فقط على خطب الصادق المهدي وهذه يمكن ان تقنع بعض الانصار ولكنها بالنسبة للمواطن العادي (طق حنك) والسؤال هنا لماذا يركز حزب الامة على فكرة الزعيم والامام و(السوبر مان) ولا يقدم أية طاقات شبابية جديدة تحاول ان تقنع الناس. الحركة الشعبية اصبح ياسر عرمان يميل الى اسلوب المهاترات والشتائم وهو أسلوب لا يحبه السودانيون ولا يجد رواجاً في المجتمع السوداني المسالم ويعتمد عرمان في حملته على بعض راود المراكز الثقافية في الخرطوم ويقدم عبرهم خطابات ارتجالية تفتقد للموضوعية، حملة الحركة الشعبية يبدو انها صممت على عجل وان كنت اشك في ان الذي نشهده تصميم فيبدو انها مجرد ارتجالات تفتقد لأبسط ابجديات الحملات الانتخابية. أما السيد كامل ادريس فهو يحدث الناس من برج عاجي ويعدهم بحل كل مشاكل السودان وكأنه يملك عصا موسى!! ويبدو انه لم يستفد من فترة وجوده في اوروبا فالحملة الانتخابية التي يقدمها تفتقد للجاذبية والموضوعية والواقعية والشفافية. وأكثر السيد كامل من الحوارات الصحفية التي يقول فيها كلاما متشابها غير واقعي ويؤكد بطريقة او بأخرى انه يعيش في برج عاجي!! اما الطريقة التي يقدم بها التلفزيون المرشحين فهي طريقة مضحكة ويجب ان لا يلام في ذلك التلفزيون فقط بل يلام المرشحون الذين كان عليهم الاستعانة باعلاميين لانتاج برامج تصلح للبث بدلا من هذه الطريقة المضحكة التي تذكر بحصص (التسميع) في عصر السماوات المفتوحة والانترنت والعولمة هل يعقل ان نقدم مرشحا يجلس ويلقن الناس برنامجه الانتخابي؟!. أقول اننا كاعلاميين لا يرضينا هذا الفشل الاعلامي لانه يعني ان الاعلام في السودان بعيد عن ركب التطور في العالم وارجو ان تعدل الاحزاب في الفترة القليلة المتبقية (مشيتها) وتسير بخطوات اعلامية ثابتة حتى يكون التنافس حيوياً.