قراءة في تجرِبة يحيى حقي وعبد الرحمن منيف لا يزال الشكل الروائي في بعض أوساط النُّقَّاد والمبدعين حجر الكيمياء في العملية الإبداعية. حجر انتقل موقعه، ولما يتغير الدور المنوط به، فبعد أن تحددت ماهيته على مدى عقود طويلة وفقا للمنحى الواقعي، أصبح الآن يميل إلى مفهوم التجرِبة أو الطرافة، وبقي مطلقًا في تحوُّلاته. تحاول هذه الورقة أن تخرج من هذه الإشكالية من خلال قراءة تجرِبتين متباعدتين زمنيًّا يجمع ما بينهما على اختلاف مسلكيهما نظرة مشابهة إلى المكان، أو بالأحرى صورة المكان، بوصفه الركيزة الرمزية لكل فكر حركي، لكل حضارة حية، ومن ثَمَّ لكل إبداع حقيقي. سوق السرد: انتشار الرواية عبر الترجمة ومفاعيله ثائر ديب في سوسيولوجيا الأدب حقلٌ ناشئ يقيم جسرًا بين خطَّين من البحث يبدوان بعيدَين أشدّ البعد كلاهما عن الآخر: تاريخ التلقِّي والتوصيل والقراءة من جهة، وتاريخ تَفَتُّح الأشكال الأدبية وتطوُّرها من جهة أخرى. هكذا تتجاور وتتفاعل -لدى تناول الجنس الروائيّ مثلاً- علومٌ قد يبدو تجاوُرُها وتفاعُلُها من الغرابة بمكان: الإحصاء والجغرافيا، وتحليل السوق، والتجارة العالَمية، ونظرية المركز والأطراف، وعلم الاجتماع، والنقد الأدبي، وعلم الجمال، وتحليل الأذواق، ونظرية التطوُّر الدارونية وتطوُّرها.من علاقات القوة الثقافية. ذلك ما تحاوله ورقتي، مع إشارة خاصَّة إلى الرواية العربية في نشوئها وتطوُّرها.، إلخ، تتدخَّل جميعًا في بناء ذلك الجسر الذي تزداد ضرورته بازدياد ما يبدو من بُعد بين خطِّيَّه الْمُشار إليهما. ضمن هذا الإطار، يشكِّل تصدير الرواية و/أو استيرادها عبر الترجمة واحدًا من المصادر المهمَّة في دراسة نشوء هذا الجنس الأدبي وتطوُّره على مستوًى عالَميّ، بل وفي تغيير ما ساد إلى الآن من نظريات في نشوء الرواية أو إغنائها والإضافة إليها، وفهم ما شهده هذا الجنس ويشهده من ضروب التنوُّع والتفرُّع والاختلاف، وما يثيره من موضوعاتِ بحثٍ جديدة تتعلّق بالأدب العالَمي والآداب الوطنية وما يقوم بينهما ذلك ما تحاوله ورقتي، مع إشارة خاصَّة إلى الرواية العربية في نشوئها ذلك ما تحاوله ورقتي، مع إشارة خاصَّة إلى الرواية العربية في نشوئها وتطوُّرها. التجريب الروائي جمال زكي مقار حيث إن الفن على عمومه حتى في أشد قوالبه جمودًا هو ضرب من التجريب الذي يهدف إلى إقامة أبنية موازية للواقع، وفي المقولة الشهيرة لجان بول سارتر: «إن الكلمة المكتوبة أشد واقعية من الواقع نفسه». تكمن دلالات كثيرة لمفهوم التجريب في الفن، هو إذن خلود لواقع ما بحيث تصبح مضارعته مضارعة قائمة أبدًا، ولو أخذنا مثالاً لذلك رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، لوجدنا أن الرواية قدمت وستظل تقدم -ما بقي لها قارئون- صورة لروسيا سنة 1805، ولهذا الحدث الجلل. لكن التجريب الذي سأعتني بأن أقدمه في هذا المبحث، يُعنى بمحاولات تجاوز القالب النمطي الثابت الذي ما زال له سطوته وغوايته بل وأهميته أيضًا، وهو البناء القائم على التراتب بعامة: تراتب البناء وتركيبته الثابتة (بداية ووسط ونهاية)، وتراتب الأحداث بحيث تأخذ الأحداث بعضها برقاب بعض، والمحافظة الصارمة على تناغم الأبعاد الثلاثة (الزمان والمكان والشخوص) ومظلتهم الثابتة القائمة على المنطق والسببية. ثم ينتقل بنا المبحث إلى نوعي التجريب: الأول اعتبر التجريب غاية، بل هو الفن في حدِّ ذاته، بدءًا من مانيفيستو أندريه بريتون 1920 الخاص بالسريالية، وتداعي المعاني كأساس لإنتاج كل أنواع الفنون، مع التسليم بأن السريالية حقَّقَت نجاحًا ما في الفنون التشكيلية (الرسم بالتحديد)، بلغ قمته في لوحات سلفادور دالي، إلاَّ أنها أخفقت في إنتاج أبنية سردية ذات بال أو قيمة يُعتدُّ بها. أما النوع الثاني فهو الذي يرى التجريب وسيلة للوصول إلى إنتاج أبنية روائية وسردية جديدة، ويشتمل على تجارِب على عدة مستويات: - تجريب على مستوى طرق السرد مثلاً لذلك ومطلعه استخدام تيار الوعي والمونولوج الداخلي المباشر وغير المباشر لتجاوز أزمة الراوي العليم وتضييق المساحة بين الوصف المسهب، وبذا تعلو قيمة ارتباط المشاعر بالأحداث. - التجريب باللُّغة كما في تجارِب إدوار الخراط باستخدام تقنيات شعرية في الأساس، كالمحارفات الصوتية عبر مونولوجات طويلة لتجسيد الحالة الشعورية. - فتح فضاءَي الزمان والمكان بحيث ينكسر التحديد القاسي لمجرى الأحداث، ويمكن التنقُّل بين اللحظة الآنية المعيشة والماضي البعيد أو القريب بلا تحديد. - استخدام رهانات فنون الحكي الأخرى مثل اللُّغة المكثفة في القصة القصيرة أو الحوار الذي هو أساس بناء النَّصّ المسرحي. - التناصّ القائم على إدخال نصوص موازية للنص الأصل، سواء أكانت مأخوذة من الأثر أو من الشاهد الديني (التوراة - الإنجيل - القرآن) أو من نصوص كتاب آخرين، وزرعها داخل مبنى النَّصّ الأصلي (تجارِب صنع الله إبراهيم في «بيروت بيروت»، و«ذات»). أخيرًا تقديم قراءة تطبيقية على رواية الجبانات لرشيد غمري. *لقِّي تلقِّي رواية المرأة في الخليج بين الاحتفاء والمساءلة جوخة الحارثي تطرح هذه الورقة إشكالية التلقِّي للروايات التي تكتبها المرأة في الخليج، فمع هذا الزخْم في الكتابة والنشر نحتاج إلى أن نكشف عن كيفية تلقِّي واستقبال هذا الإنتاج كمًّا ونوعًا. تركز هذه الورقة إذن على الصدى الذي أحدثته رواية المرأة في الخليج مع إيلاء الاهتمام خصوصًا لعُمان والسعودية، ونستطيع تَلَمُّس هذا الصدى في المراجعات النقدية وفي حجم الإقبال القرائي وفي المناقشات الإلكترونية. فتطرح هذه الورقة أسئلة من قبيل: كيف نفسِّر حجم المبيعات الهائلة والدعاية الإعلامية لأعمال روائيَّة بعينها في حين تَلْقَى أعمال أخرى التجاهل والإهمال؟ هل لموضوعات الرواية التأثير الأكبر على نوع التلقِّي أم أن طبيعة المجتمع وآلية الرقابة في بعض الدول الخليجية تحكم هذا التلقِّي؟ وأين الجودة الفنية والإقناع الفكري من هذه المعايير؟ وكذلك تعرض هذه الورقة لقضية المساءلة التي تخضع لها بعض الكاتبات عن طريق الربط بين حياتهن الشخصية وكتاباتهن.