هل تذكرون دمار ابيي العام قبل الفائت وما خلفه من مصاعب؟ فحالة التوتر التي سبقت الحريق كانت بمثابة الشرارة والآن التوتر في اعلى درجاته والشحن يتملك اطراف الصراع التاريخي الدينكا نقوك والمسيرية ، بعد ان فشلت كل مقترحات الحلول خلال الفترة الماضية وتطابقت مواقف اطراف النزاع شريكا الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في ذلك الرفض ، الا ان العشرة ايام الماضية تراجع الجدل الدائر حول مصير البلدة المتنازع حولها من اجهزة الاعلام بشكل لافت وانصب التركيز نحو التاسع من يناير لكن ما ان بدأ الجنوب في عد العشر الاواخر قبل الاستفتاء عادت مرة اخرى ابيي للواجهة ، منذرة بمصاعب وعراقيل تهدد استفتاء شعب الجنوب على حد تعبير مسؤول الملف الشائك بحزب المؤتمر الوطني الدرديري محمدأحمد تعليقا على معلومات تفيد بترتيبات تقوم بها عشائر الدينكا نقوك لاعلان مصير البلدة بشكل منفرد . مطلع ديسمبر كنا في بلدة ابيي التي تحولت عن ما كانت عليه في السابق ، فالبلدة التي زرتها خلال العام الجاري خمس مرات يبدو ان شكلها لا يهدأ على حال ، فحركة التخطيط مستمرة ، لكن في زيارتنا الاخيرة لاحظنا امرين اولهما الزيادة العالية في كثافتها السكانية بعد حملة العودة التي نظمت مؤخرا والامر الآخر حالة التوتر التي تغطي كل من يمشي داخل البلدة ، دخلنا ابيي ليلا وفي صباح يومنا الاول كنا في منزل سلطان الدينكا نقوك كوال دينق مجوك حسبما هو مرتب له ، فالرجل الذي ظل متفائلاً طوال الفترة الماضية لاحظنا التوتر بدا يتملكه بعض الشئ ، فمنذ ايام محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي يوليو 2009م حينها كنت بالبلدة التي تتناثر فوق شوارعها بقايا الرصاص يعود لمواجهات العام 2008م ، وكانت العربات المحترقة مترامية في شوارع البلدة ، الا ان كوال كان متفائلا يحدثنا عن امكانية التوصل لحلول بين الاطراف قبل ان يغادر الى لاهاي ، في زيارتنا الاخيرة تحولت تلك الشوارع الى طرق معبدة تنتظر الاسفلت الذي بدأ يغطي جزء من مدخلها ، وحملت العربات المدمره الى منطقة في اطراف البلدة خلف سوق « ململ» ، حاولنا في حديثنا مع الرجل ان نحصل على تأكيدات عن بعض المعلومات التي تحصلنا عليها من مصادر ذات صلة قالت ل»الصحافة» ان البحث عن حلول فردية لازمة ابيي في طريقة للحل بعيدا عن شركاء الحكم ، وزادت المصادر ان حراكا يقوم به منبر استفتاء ابيي اقترب من التوصل لحل وبعدها سيقرر الدينكا نقوك مصير المنطقة بشكل فردي عن طريق سلاطين العشائر ، لافتا الى ان الامر في انتظار صيغة قانونية ، واضاف في حلول منتصف الشهر سينتهي الامر ، لكن كوال لم يؤكد او ينفي ما تحصلنا عليه واكتفى بان الكل في انتظار ما يجري بين الشريكين ، لننطلق بعدها ونبحث عن الامر في مكان آخر ، « انتم تملكون معلومات لكن نحن لا نعرف الى اين ستذهب بنا الايام « هذا ما قاله لي امين عام ادارية ابيي رينق دينق ، ورفض التعليق مكتفيا انا لست مخولا لي التحدث لكن « لا شئ يدعو للانزعاج الكل يبحث عن حل» غادرنا رينق املا في جديد . في يومنا الثاني والاخير هناك قبل ان نغادر البلدة ، اخبرني مسؤول بالادارية ان مجموعة من القانونيين والمسؤولين اكملوا مشاوراتهم بالبلدة مع كل مكوناتها الادارة الاهلية والمجتمع المدني والحكومة ، وبمنزل اسرة زعيم الدينكا نقوك التقينا عدداً من اعضاء ذلك الوفد دون ان يدلوا بأي تعليق لكن السلطان كوال افاد بانهم اجتمعوا معهم وحملوا رؤيتهم التي شددوا فيها على عدم التراجع عن موقفهم المسبق حول شروط الحل المطلوبة . الآن وبعد شهر من زيارتنا الى ابيي كشفت التقارير الاخبارية يوم امس عن ترتيبات لاعلان تقرير مصير انفرادي للمنطقة صمم من قبل مكتب (PILPG) الاميركي للمحاماة، وهو عبارة عن خطة لاعلان انفرادي يصدره الدينكا نقوك لتقرير مصيرهم، طريق مشائخ وقيادات الدينكا نقوك المنتظر اجتماعهم بمنطقة أنيت جنوب بحر العرب ليعلنوا قراراً بتقرير مصير دينكا نقوك ضمن السودان الموحد، واختيارهم الجنوب بدلاً من الشمال ، الا ان رئيس المجلس التشريعي لادارية ابيي شارلس ابيي في حديثه ل»الصحافة» امس معلقا على الامر قال انهم لا علاقه لهم بتلك النصيحة ولم يتلقوها في الاساس ، لكنه عاد واكد ان التشاور لايجاد حل لازمة المنطقة مستمر وباب المقترحات والنقاش دائر بشكل يومي ، واشار الى ان قيام استفتاء من جانب واحد تم طرحه للنقاش من قبل لكنه شدد على عدم استشارتهم لاي جهة قانونية خارجية او داخلية . من جانبه يرى استاذ القانون الدستوري شيخ الدين شدو ان الخطوة ان تمت بالفعل لن تجد لها سندا قانونيا واضاف ان ازمة ابيي لا مخرج منها سوى الجلوس للحوار وايجاد حلول لا تستبعد احد الطرفين مشيرا الى ان العلاقات التعاقدية تتم بين طرفين ويترتب عليها اثر قانوني لذا لا يمكن ان تحل القضية بمعزل عن الطرف الاول وهو حكومة السودان لان الاعتراف القانوني يستند على الشرعية الدستورية والقانونية، ومضى في القول ان الخطوة ان كانت حقيقية وتم الاقدام عليها لن تجد اعترافا داخليا ويصعب ايجاد داعمين خارجيين من قبل الرأي العام العالمي والحكومات والهيئات ، واضاف يمكن ان تقود الى مربع الحرب ، وهو الامر الذي حذر منه الدرديري واكد ان الامر قد يهدد استفتاء الجنوب ، وهو ما تخشاه الحركة الشعبية الآن بعد ان رتبت نفسها لاعلان دولتها الجديدة عقب الاستفتاء ، الا ان الخروج من نفق ابيي يبدو صعبا بل يمسك بملفات اخرى مطروحة الآن في طاولة الشريكين ، ففي اتصال هاتفي بداية الاسبوع الجاري قال وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب دينق الور ل»الصحافة» ان الحركة لن توقع اتفاقا لا يتضمن ترسيم الحدود وتجاوز ازمة ابيي ، واعتبر كل حديث عن توصل الاطراف لحلول او اختراق يعد كلاما فارغا ، من جانب الدينكا نقوك فان شارلس اكد انهم في انتظار ما ستخرج به اللجنة المشتركة بين الحركة والمؤتمر الوطني . عقب حريق البلدة الاخير تدخل شريكا الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية سريعا لتجاوز الازمة هناك ووضعوا خارطة طريق لادارة المنطقة ، لكن ماتبقى من ايام ان لم يتوصلوا لحلول مرضية قد يكلف الامر الجميع صعوبات لن تنفع معها حلول اخرى، فالحرب التي يستبعدها الجميع يمكن ان تجد منفذها عبر ابيي ، فالمسيرية وعلى لسان طبيق شقيفه المسمى في الحكومة التي اعلنت نهاية الشهر الماضي قال ل»الصحافة» امس الاول انهم سئموا الانتظار ويمكنهم استلام المنطقة وادارتها عن طريق حكومتهم في الايام القليلة الماضية ، لكن الشارع في ابيي يتحدث بشئ من الثقة ويردد كثيرا ان الحرب القادمة ستحرق من يشعلها وان اولها لن يكون كلاماً ، ويشير محدثي شيخ الدين الى ان اشعال حرب بالمنطقة في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تخنق العالم تعني مزيدا من صب الزيت في نار لا تجد من يخمدها .