يقول الأديب المغربي محمد بنيش «ما نحن فيه اقوى من الوصف» يتألم هذا الأديب، يرى الدمار يسيطر من حوله وينفذ مسام الجلد إلى اللحم والعظم. يصف ما يراه في وقائع الحياة اليومية. تجول أفكاره في مخيلتي كلما امعنت النظر والتأمل في إعداد الشماسة التى تكتظ بهم شوارع عاصمتنا خاصة صغار السن منهم. الذين تراهم في نشاط الجامعات وما أن يترك الشباب بقايا إفطارهم حتى يهرع هؤلاء الصغار لتناوله فهم مثلنا أنا وأنت ينتابهم الجوع والجوع كافر كما نقول في عاميتنا، تُرى أين يهرع هؤلاء ليلاً مع البرد القارس؟ أين أسر هؤلاء؟ المتشرد أو الشماسي أو إبن الشارع طفل: من يوم إتولد قدرو اللعين ناداهو لبسو توب فضيحة وكشر عليهو رماهو في نص الطريق بقسوة جدعو نساهم لي لفح البرد وشمس الهجير تصلاهو حزنان وحيد لافي ليلو ونهارو براهو والشارع المشين بقي مرتعو ومأواه نفسو يعيش عزيز في دنيا غير ديناهو يضوق طعم الحنان العمرو بتمناهو ظلمو المجتمع من غير ذنب ذلاهو عاقبو بي غلط لا عملو... لا .. سواهو قد تكون الأسباب التى آلت بهؤلاء الصغار إلى تلك الحالة التى تمزق نياط القلب، اسباب اقتصادية، أو اجتماعية، قد يكونوا ضحية أم وأب أنساهم الشيطان مخافة المولى عز وجل وإحترام أنفسهم قبل كل شيء «وما يثير الحيرة أن هؤلاء كان الأجدر بهم تربية فلذات أكبادهم، هو الانسان ساعة ربنا ما يخاف منو. اشان شنو يخاف من المجتمع والناس؟.. قد يكونوا ضحية اب هرب من تحمل المسؤولية «لا وفقه الله اين ما كان» كما هو الحال مع ذاك الطفل الذي تجده قرب تلك الجامعة والذي تمنعه عزة نفسه من التسول فيعمل في مسح الاورنيش فينظف أحذية الآخرين من أجل لقمة العيش.. «لا تستغرب عزيزي القارئ، نعم. عزة نفسه وكرامته فهو انسان مثلي ومثلك له احاسيس، ومعظم الذين تحدثت اليهم من أحسن خلق الله ولكن ظلمتهم ظروف لعينة ليس لهم فيها يد» قد.. وقد.. وقد.. الخ من الاسباب التى قد تكون سبب الدمار هؤلاء ولكن ما هو اكيد ان حياة الشارع قد تتسبب في الولوج بهم إلى كل ما لا تحمد عقباه سواء الجريمة أو الأمراض او.. او.. وكل ما يخطر على بالنا ونخاف منه على انفسنا واسرنا وعائلاتنا ومجتمعنا.. ليت الدراسات تتم من أجل حل مشكلة هؤلاء الصغار وقبل كل شيء ليتنا نساعد كل من نراه منهم ولو بالقليل، ولو بأن نشعرهم بأنهم جزء من مجتمعنا.. قبل أيام جذب إنتباهي طفل صغير يسير أمام شخصي وإذا به يصعد لحافلة المواصلات العامة وإذا بإحدى السيدات تحمل طفلاً وتطلب إلى ذاك أن يجلس في إحدى الكراسي بعيد عنها وعند سؤالها هل هو ابنك؟ كانت اجابتها الغريبة والمحزنة «لا.. ما بعرفو.. حايم ساكت» والغريبة لم تسأل نفسها ماذا سيكون الحال إذا تحركت العربة ووجد نفسه بعيداً عن أسرته بملايين الأمتار، بل إن دهسته عربة؟ أما كان الأجدر البحث عن اسرته او تسليمه إلى الشرطة وإيقاف العربة، فالموضوع يتعلق بحياة إنسان. عزيزي القارئ: صحيح، أصبحنا كلنا في سباق مع الزمن، وفي عجلة من أمرنا ومشغولياتنا المتعددة، إلا أننا جميعاً نشكو، وتتعدد الأسباب، لكن دعونا نقف مع انفسنا ونساعد من يحتاجون منا للعون والمساعدة، فتلك من شيمنا نحن أهل السودان الغبش، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.