بدأ ملايين الجنوبيين الادلاء بأصواتهم في حماس لافت أمس في استفتاء طال انتظاره من المتوقع ان يؤدي الى ظهور أحدث دولة، ويقطع علاقتهم بالشمال الذي يرونه مستعمرا. وجرت العملية وسط متابعة اعداد مهولة من المراقبين والصحافيين. واضطرت المفوضية لتمديد زمن الاقتراع ساعة يوميا بسبب ازدحام المراكز الذي فاق كل التصورات، وشهد اليوم الاول استتبابا للامن ما عدا احداث محدودة تم احتواؤها في بانتيو. وحسب مسؤولي مفوضية الاستفتاء فإن عدد المراقبين المعتمدين وصل الى 20 الف مراقب، بجانب 1000 صحفي يتابعون الاستفتاء مؤكدين ان هذه الاعداد مرشحة للزيادة. وكان بين أول من ادلوا بأصواتهم في الاستفتاء رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت الذي وصف الاستفتاء بأنه «اللحظة التاريخية» بالنسبة لجنوب السودان. وقال سلفاكير وهو يرفع اصبعه وعلامة الحبر عليه بعد ان شارك في الاقتراع «انها اللحظة التاريخية التي طالما انتظرها شعب جنوب السودان»، وطالب الجنوبيين بحماية مراكز الاقتراع واضاف «اقول للدكتور جون (قرنق) ولكل الذين قتلوا معه ان جهودهم لم تذهب سدى». والتقى سلفاكير عند مركز الاقتراع، الممثل الأمريكي الشهير جورج كلوني والسناتور الأمريكي جون كيري رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي. من جهته، قال السناتور كيري الذي اجرى اتصالات واسعة مع المسؤولين في الشمال والجنوب لانجاح الاستفتاء «انها بداية فصل جديد في تاريخ السودان، وهو فصل مهم جدا». وقصد الناخبون مراكز الاقتراع التي انتشرت في ولايات الجنوب العشر قبل شروق الشمس، وشهدت مواقع التصويت اكتظاظا شديدا ومهرجانات صاخبة. وعانى الناخبون في جوبا من بطء الصفوف بسبب وجود منفذ واحد للتصويت في ال15 مركزا بالمدينة، ما عدا مركز واحد رصدت فيه «الصحافة» وجود نافذتين للاقتراع. وأكدت مفوضية استفتاء مكتب جوبا ان عمليات الاقتراع تمضي بصورة جيدة بالرغم من بعض العقبات التي تواجه الناخبين منها الوقوف في الصفوف الطويلة التي تمتد إلى خمس ساعات نسبة للازدحام الذي شهدته مراكز الاقتراع في الولاياتالجنوبية خاصة جوبا. وقال الناطق الرسمي باسم مكتب جوبا صامويل مشار ل«الصحافة» ان هنالك ازدحاماً كثيفاً من الناخبين أدى إلى وقوفهم في الصفوف لمدة خمس ساعات للادلاء بأصواتهم، واعتبر مشار ان هذا يعد صعباً خاصة في ظل حرارة الطقس بالجنوب، ورحب بقرارالمفوضية المرتقب لمد الساعات الاقتراع إلى السادسة، لافتاً إلى ان بعض المراكز بمدينة بانتيو شهدت بعض اعمال الشغب من المواطنين واحتوتها الشرطة دون تعطيل عمليات الاقتراع لفترة طويلة. وحضرت ارملة مؤسس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق الى مقبرته وجثت على ركبتيها تنتحب الرجل الذي سيكون له الفضل في ميلاد دولة الجنوب.وتحرك نحو ارملة قرنق «ربيكا» العشرات وقاموا باحتضانها على رأسهم وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب دينق الور الذي شاركها البكاء.وقالت ربيكا انها سعيدة بوصول الجنوب لمرحلة الاقتراع، لكنها عبرت عن حزنها بسبب المهمشين بالشمال في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور، واضافت «هذة لحظة تحققت فيها رؤية جون قرنق وقيادات الحركة الذين استشهدوا معه» وزادت «علينا ان الا ننسى من استشهدوا ايام الحرب ومنهم يوسف كوة». وشهدت مقبرة جون قرنق المكان الذي صوت فية سلفا حضورا جماهيريا ضخما منذ الساعات الاولى من الصباح، وانهمرت الدموع من اعين عدد كبير من المواطنين بينما علت الموسيقى والاغاني التي تبشر بالحرية وامتلأ المكان بالرقصات الشعبية. وحسب جدول زمني اصدرت مفوضية الاستفتاء بجوبا امس لمرحلة ما بعد الاقتراع، فإن اعلان نتائج الاستفتاء في المحليات والمقاطعات في الجنوب والشمال سيكون خلال 16 20 يناير، واعلان نتائج المهجر 21 24، على ان يكون اعلان النتائج الاولية للجنوب من جوبا في 31 يناير، واعلان النتائج الاولية لكل السودان من الخرطوم في الاول من فبراير المقبل. وحددت المفوضية الرابع من فبراير للطعون، وفي حال عدم الطعن سيكون اعلان النتائج النهائية في السادس من الشهر، لكن في حال التقدم بطعون ضد الاستفتاء ستبت المحكمة فيها في 11 فبراير على ان تعلن النتائج بشكل نهائي في 14 فبراير. وقال الموفد الاميركي الخاص الى السودان سكوت جرايشن الذي كان حاضرا ايضا في مركز الاقتراع في جوبا «في حال اصبح الجنوب مستقلا ستكون هناك حاجة للقيام بالكثير مع ولادة دولة جديدة. بإمكان الشمال والجنوب الاعتماد على دعمنا». وقال جوستين فيكتور الكاهن في كتدرائية كل القديسين الاسقفية في جوبا «نعم سأصوت بالطبع لصالح الانفصال، نحتاج الى استقلالنا، نحتاج لان نتحرر من العرب». وفي الشمال، قوبل احتمال فقد ربع اراضي البلاد ومصدر معظم نفطها باستسلام وبعض الاستياء،وقال القيادي في المؤتمر الوطني الدكتور ابراهيم غندور انه احساس بالحزن والغضب في ان واحد، وانه احساس بخيبة الامل في القيادة السياسية بالجنوب التي قادت الجنوبيين نحو الانفصال.وخلال فترة الاعداد للاستفتاء بدت الخرطوموجوبا كعاصمتين لبلدين مختلفين، ففي جوبا انطلقت شاحنات تبث موسيقى وشعارات امام مبان غطتها ملصقات مؤيدة للانفصال،وغنى تلاميذ المدارس وساروا عبر الشوارع في الوقت الذي اقامت فيه جماعات محلية استعراضات رقص عفوية على جانبي الطرقات المتربة. وفي الخرطوم كانت حركة المرور خفيفة ولم تكن هناك شعارات تشير الى قرب الاستفتاء التاريخي. وتجري عملية التصويت بسلاسة ودون مشكلات تذكر حسب تصريحات المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء جورج ماكير الذي قال ان كل مراكز الاقتراع في جنوب السودان فتحت ابوابها امام المشاركين في الاستفتاء، وان المفوضية لم تبلغ بأية شكاوى. ورصد المراقبون اقبالا جماهيريا كبيرا في معظم مراكز الولايات الرئيسية في الجنوب، وان اختلفت الصورة في الخرطوم حيث يوجد عدد كبير من النازحين الجنوبيين. وفي واو عاصمة شمال بحر الغزال، اصطفت طوابير المقترعين منذ ساعات الصباح الاولى، وتزامن بدء عملية الاقتراع مع قرع اجراس الكنائس في يوم عطلة الاحد التي يتوجه فيها السكان للصلاة في الكنائس،وواجهت الناخبين صعوبات في الوصول الى مراكز الاقتراع بسبب صعوبة التنقل في المساحة الشاسعة للولاية.