دقت ساعة الفراق فى الوقت الذى تعانقت فيه مؤشرات الثوانى والدقائق لتعلن الثامنة صباح الأحد التاسع من يناير2011 الموعد المضروب لفتح صناديق الإقتراع فى جنوب السودان، وفى الشمال أيضاً، فتباينت المشاعر هنا وهناك فى كل اجزاء الوطن جنوبه وشماله شرقه وغربه ووسطه، فكانت دموع الفرح تنساب على خدود الأبنوس تبارك الانفصال والذى أصبح مجرد وقت ليس الا، بينما ملأت دموع الفراق عيون النخيل، وبين هذا وذاك اكتسى الحزن ملامح بعض الجنوبيين وهم يدلون بأصواتهم فى صناديق الشمال لتذوب امنياتهم الوحدوية فى غالبية أبناء الجنوب. سعيد سرور .. هذه رسالتى للشعب السودانى العم سعيد سرور من أبناء الجنوب تعدى عمره الستين عاماً وقف بقامته الفارعة فى مدخل مركز (قرى دار السلام) بجبل أولياء اكبر مركز بالعاصمة حيث بلغ عدد المسجلين فيه (1035) وجدناه قد ادلى بصوته وعلامة الحبر على أصبعه، وعندما سألناه قال انه غير قادر على الحديث وطلب منا ان نوصل رسالته الى كل الشعب السودانى شماله وجنوبه شرقه وغربه وأكتفى بعدد من الأبيات منقو قل لا عاش من يفصلنا ياشباب الوطن ياجنود الزمن لاخلاف لا فتن لاخصام لا محن فى الشمال او الجنوب فى مريدى او بورتسودان فى حلفا او الفاشر لا خلاف لا فتن لا شمال لا جنوب خرج العم سعيد من أبواب المركز يحمل مخاوفه والحزن اكتسى ملامحه مثل آخرين من ابناء الجنوب،بعد ان بلغنا رسالته. تحركنا من الصحيفة لنتابع مجريات وسير العملية فى مراكز الاستفتاء فى الخرطوم فإتجه بعضنا الى بحرى وتحديداً الحاج يوسف، والى امدرمان، ووقع علينا الاختيار ان نذهب الى جنوبالخرطوم منطقة (الكلاكلة وقرى دار السلام والرشيد والعباسية بمحلية جبل أولياء). العاصمة .. على غير عادتها فى بداية الأسبوع بدأ اليوم على غير عادته فكل شئ مختلف تماماً انه الأحد بداية الأسبوع ولاتوجد مشاهد معتاده للإزدحام فى الشوارع والأسواق والإختناق المرورى فى الفترة الصباحية، الى ان عادت الحركة تدريجياً نوعاً ما فى منتصف النهار، بدأنا الجولة بمنطقة الكلاكلة فبعد بحث مضنى عثرنا على مركز للإقتراع ب (نادى القلعة) يحمل رقم (1314). وفى الكلاكلة بدأت الحياة عادية ، والحركة فى الشوارع افضل من وسط الخرطوم، ، وعند مدخل المركز كانت شرطة تأمين الإستفتاء حاضرة، فى الوقت الذى كان فيه المركز شبه خالٍ من الناخبين، وقال ل (لصحافة) رئيس المركز البخارى محمد عثمان ان الاقبال جيد مقارنة باليوم الأول وضربة البداية وان الأوضاع مستقرة ولايواجهون اى متاعب. دموع أخرى .. تبكى الوحدة وفى مركز (القلعة) كان مشهد الدموع حاضراً غير التى زرفها سلفا لحظة إدلائه بصوته، عندما زرفت إمرأة جنوبية دموع حرى لحظة إدلائها بصوتها فملأت الدموع عينيها، وخرجت صامته دون تعليق او حديث غير سلفا الذى حينما قال (اقول للدكتور جون قرنق ولكل الذين قتلوا معه ان جهودهم لم تذهب سدى)، تلك المرأة الجنوبية كان وراء صمتها حديثاً ليس مطابقاً للغة الساسة، فخرجت حزينة ومكسورة الخاطر وآثرت الصمت وفضلت البكاء على وطن الجدود الذى إنشطر الى جنوب وشمال. خرابات ومساكن مهجورة ..بقايا الإنفصال !! ومن الكلاكلة توجهنا الى منطقة (الرشيد) بمحلية جبل اولياء بعد ان دلنا احد المراقبين الى مركز إستفتاء هناك، وعند وصولنا تفاجأنا بعدم وجود أى مركز فى الحى، بل اغرب من ذلك بادرنا احد المواطنين بسؤاله بعد ان عرف هويتنا «العملية دى فى الجنوب البجيب المراكز هنا شنو»، ومن ثم وجهنا احد أفراد الشرطة الى ان المنطقة تم دمجها مع مركز الشهيد إبراهيم شمس الدين بالعباسية بجبل أولياء. ومن (الرشيد) توجهنا صوب (قرى دار السلام) أكبر مركز بولاية الخرطوم وهذه المره لم نسأل بعد ان رافقنا احد سكان الحى صلاح اللازم صالح وقال هجرت مجموعة كبيرة من الجنوبيين منازلهم التى ترونها فتحولت الى خرابات، وبالفعل كأنها تشكو من ما أصابها من دمار وخراب، فتركوها دون سقف وابواب وساد المكان هدوء غريب بعد ان كان يضج بالحياة والحركة. وصلنا الى مركز الإقتراع فكان الاقبال واضحاً وقال رئيس المركز نور الدين محمد عمر ل (الصحافة) ان مركز الفتح شرق يعد من أكبر المراكز بولاية الخرطوم غير انه اشتكى من البطء الذى لازم العملية، وفى المركز تحدث إلينا بطرس كيدى (30) عاماً وهو يحاول ان يتخلص من الحبر الذى كسى أصبعه وكأنه لعنة فحاول محوه ولكن دون جدوى، فقال بصوت حزين « انه لم تواجه صعوبه فى العملية فالإستفتاء خلاص بقى وان السودان بلدنا كلنا» وأكد بطرس انه باقى بالشمال ولن يذهب للجنوب رغم الإنفصال وقال (كلام ده جابوه ساسين).