٭ لاول مرة تتدافع في ذهني عدة مقالات تستحق الكتابة في اقرب وقت ممكن منها ماهو في البال ومنها ماهو مكتسب من جريدتنا الغراء (الصحافة) فالمقابلة التي اجريت مع الدكتور جمعة كنده مقابلة استكشافية لمقدرات رجل عالم في مجاله، وعالم ببواطن الامور في وطنه ومسقط رأسه رجل نصوح، لقد استمتعت بها واستفدت منها، وكانت نيتي ان اعلق عنها في هذا الاسبوع، كما أن مقال الاخ محمد ادم نور الدين عبد الله الذي صرخ فيه من محلية سربا بغرب دارفور وتألمه من دور المثقف الذي يتقهقر في القبيلة ويتدثر ثوبها ضارباً عرض الحائط بالتاريخ وحقائقه وأعراف وتقاليد قبائلنا، اضف الى ذلك الظلم الذي ذكره في استئثار الغير بالخدمات والتنمية، أيضاً مقال يستحق التعليق عليه بأسرع ما تيسر، ولن أنسى بأني وعدت السادة القراء ان اعلق على موضوع الفتاة التي جُلدت ورغم أني تحدثت عنها في إيجاز عن الشباب وفقدان الامل قبل اسبوع فقط من مصيبة الشاب التونسي الذي أحرق نفسه وهو لا يدري انه بذلك احرق عروشاً لدكتاتورية اجتمعت على صدور الشعوب، وهذه رسالة للآخرين امثال بن علي وكما يقول المثل السعيد يشوف في اخيه والشقي يشوف في نفسه. ولكن الاخوة والاخوات القراء يتفقون معي ان مناسبة 62/ يناير والتي ستجيء بعد يومين ان شاء الله يجب الا تمر مرور الايام الاخريات رغم أهمية ايام الله السبعة والتي تتداول حولها السنون والازمان. فيوم 62/ يناير هو يوم تحرير السودان الاول من اعتى ثلاث دول في العالم وقتئذ بريطانيا، تركيا، مصر، وأن هذا التحرير لم ينله السودانيون بورود نُشرت أمامهم ولا حلم في الكرى اصبح حقيقة بعد صحوة من منام، وإنما جاء بجهد وجهاد واجتهاد وتوحيد كلمة واتفاق على هدف واحد عمل الجميع من أجله وهو تحرير البلاد من شر الغاصب الغريب. صحيح في مقال فائت لي في نهاية شهر ديسمبر تحدثت عن نضال السودانيين ضد الحكم الثنائى الذي جثم على صدور آبائنا منذ 0091 وحتى 6591، ولكن هذه المرة لابد لنا من تذكير الناس بالملحمة الاخيرة التي بدأت من ابو سعد بام درمان بعد ان وصلها الإمام المهدي قادماً من الغرب ومعه رجاله ابكار المهدية وانصار أبا وبيعة قدير والتي بايعه فيها بقية القوم من جنوبيين ونوبة ودارفوريين وكردفانيين، وهنا إلتحم الجند أحباب المهدي وانصار الله اهل النيل والشرق مع اخوتهم الجنوبيين وأهل الغرب، هذه الملحمة شقت طريقها عبر النيل الابيض الى الخرطوم حيث استسلمت حامية ام درمان قبل ذلك للإمام المهدي، وغردون قابع في قصره يجول بنظارته التي ترى البعيد لعله يلحظ البواخر وهى تمخر عباب البحر مسرعة لتنقذه، ولكنه راح ضحية ذلك الوهم حتى لقى حتفه على يد الامراء، ابو قرجة امير البرين والبحرين وحمدان ابو عنجة محاصر ام درمان والعبيد ود بدر الذي سد الافق في شرق النيل وغيرهم من الابطال وامراء الرايات والقبائل، لم يكن كما قلت الطريق معبداً للانصار لدخول الخرطوم، ففعلاً هناك حملة تكونت من اكثر من 10 آلاف مقاتل مدربين بأحدث الاسلحة يقودهم ضباط انجليز متمرسون في القتال وفنونه. فهذا القائد إستوارت يصطدم مع الانصار في ابو طليح وهو في طريقه لانقاذ غردون، لقد اباد هذا الغازي الافاً من الانصار في تلك المعركة ولكنهم قتلوه ودفن في آبار...... بالقرب من ارض المعركة، وما اصعب ان تفقد الملكة الانجليزية ضابطاً لها مثل إستوارت ولكنها في السودان فقدت قبله هكس وستفقد بعده رأس كبير جعلها تبكي (وتولول) وتقول (Too late Too late) والرأس هو غردون باشا. استلم القيادة بعد إستوارت السير شارلس ولسن فوصل هو ببواخره حتى الخرطوم ولكن بعد يومين من جز رأس غردون ولكن كما قالت الملكة Too late فولى هارباً تتعقبه طعنات ولعنات ورصاصات الانصار، هرب الى قائده العام للحملة بأثرها القائد ولسلي الذي كان يقبع في كورتي. كان قرار ولسلي لشارلس ولسن ان يدخل المتمة، ولكنه لم ير ما رآه ولسن، فقد رأى شارلس ولسن الهول والعجب العجاب والجند الذي غطى غباره السحاب وسمع سنابك الخيل التي اهتزت لها الارض، بل وأذنه لا شك أنها سجلت التكبير والتهليل أكثر مما يسجل أي جهاز تسجيل حديث في هذه الدنيا، فلذلك رفض شارلس تنفيذ هذا القرار فرأى ان الرأي والمكيدة هي الرجوع سريعاً الى خارج حدود السودان، لم يقتنع ولسلي بهذا القرار الجبان، فأمر قائداً آخر واسمه (بولر) وأيضاً هذا رفض تنفيذ القرار.. تحسبه لعب!. لم يكتف الانصار بالخرطوم وإنما صحبهم في شمال البلاد كانوا للخواجات بالمرصاد فالانصار عبد الماجد ابو الكيلك من الميرفاب وموسى ابو حجل من الرباطاب وسليمان ودقمر من المناصير سدوا الافق وحجبوا عين الشمس وضيقوا على الغزاة الارض بما وسعت واصطدموا معهم في معارك ضارية قتلوا فيها ضابطاً اخر للمملكة التي كانت متطرفة في غزوها للخرطوم، وللامانة لابد لنا من إنصاف بعض البريطانيين في غزو السودان، كان هناك حزب كامل وحاكم ضد غزو السودان وضد إرسال غردون وهو حزب العمال برئاسة جلاد ستون، ولكن حزب المحافظين هو المتطرف تدعمه الملك وغُلاة العسكر، على كل هؤلاء الانصار في شمال السودان قتلوا الضابط المميز إيرل. وبعد ان رأى ولسلي هذه الاهوال وهذا الفقد في جنوده وضباطه قرر في 61/3/5881م الرجوع الى القاهرة ليقرر مع اسياده ماذا هم فاعلون بالسودان ورجاله وفي 3/4 أعلنت الحكومة البريطانية تخليها عن السودان متذرعين بالصراع بين روسيا وبريطانيا حول افغانستان، هذا سبب واهي حاولوا به حفظ ماء ووجوههم الذي اراقه السودانيون ولتأمين البلاد في كافة حدودها على جهاتها الاربع، تحرك عثمان دقنة للشرق ليقطع الخط للقائد جراهام الذي اراد ان ينشيء خط سكة حديد يربط بين سواكن وبربر، فقد بعثر الامير دقنة الجسور خط السكة حديد بعد ان خاض معارك كبيرة في الشرق، وذهب الامير محمد عبد الكريم لسنار لأنها لم تستلم بعد، ثم ارسل الامام المهدي بعض الأمناء لتأمين كسلا وارسل ابوعنجة لجبال النوبة ودفع بالامير عبد الرحمن النجومي لتأمين دنقلا ثغرة العدو ومعه الامير محمد خير استاذ الامام المهدي يؤزاره في تلك البقاع، لم يكتف الإمام المهدي بهؤلاء لمطاردة الغزاة بل اردفهم بالخليفة شريف والخليفة على ود حلو، وبعد وفاة الامام المهدي تهيأ الخليفة عبد الله للذهاب بنفسه، ولكنه علم ان الغزاة تحركوا من حلفا متجهين شطر مصر فتوقف عن المسير. هذا هو يوم السادس والعشرين من يناير 5881م وما تبعته من ايام وهذا هو كفاح الرجال والنساء من أجل السودان بلد المليون ميل مربع ولكن ماذا فعلنا نحن بالمليون ميل مربع؟! طبعاً الاجابة معروفة.! تركنا ثلث البلاد ونستجدي الآن الاتحاد مع مصر، ماذا تفعل بكم مصر إلا ان تكونوا بوابين.. ما عندناش وظائف فاضية هذا على احسن تقدير اذا قبلت الشقيقة مصر وفادتنا. فالذي لا يخلص لبلاده هل سيخلص لبلاد الآخرين؟! الاجابة معروفة أيضاً. رحم الله الاجداد الذين ضحوا بالارواح من اجلنا لنعيش كرماء في بلادنا ولكن للاسف فإن دماءهم راحت عندنا سدى ولكن عند الله إن شاء الله في جناته ترفرف.