لاحظت على مدى العقدين الماضيين وأنا أدخل المعاينات أو أحضرها أو أساعد في إعدادها وهي تختار السودانيين للعمل بالسعودية أو دول الخليج المختلفة أن هناك نمطين متكررين لشخصيتين متقابلتين تكادا أن تتضادا في هذه المعاينات. الشخصية الأولى هي شخصية الشيخ العربي الذي هو في مابين الخمس والخمسين إلى السبعين وشخصية الشاب الذي هو ما بين الخمس والثلاثين إلى الخمسين. يأتي إلى إجراء هذه المعاينات في السودان هذان النمطان ويكونان معاً لجنة المعاينة أو المقابلة كما يسمونها. الشيخ العربي - النموذج الأول - يلبس في الغالب الجلباب الأبيض مع الطاقية مع الشبشب الجلدي في الغالب، بينما يلبس الشاب - النموذج الثاني - البذلة الأفرنجية الكاملة مع الحذاء المقفول والرأس المكشوف. الشيخ العربي يتمتع بروح دعابة عالية وغالباً ما يكون لطيفاً مع السودانيين المرشحين للعمل بدولته ولا تكاد تمضي الدقائق الثلجية الأولى للتعارف حتى يدخل الشيخ العربي في ممازحة رقيقة مع السوداني المرشح للوظيفة وإذا عرف اسم ابنه الأكبر - إذ غالباً ما يسأله عنه - يكنيه به ثم لا يلبث أن يلمس مسألة الزواج و الزواج المتعدد ويرمي هناك بالطرفة والطرفتين، وتجد هذا النمط في غالب الأحوال عالماً بالدين و باللغة العربية والأدب والشعر بشكل لافت للنظر وإذا سأل المرشح في هذه المجالات ووجد عنده علماً ومادة لم يخف ارتياحه لذلك وربما أطلعه مباشرة على رغبة اللجنة في إختياره مع محاولة تشجيعه على الذهاب إلى العمل في البلد المعني...... أما النموذج الثاني - فغالباً ما يكون متحفظاً وأقرب إلى التجهم الرسمي منه للمواددة والمواتاة وتجد عنده تدقيقاً زائداً في مسائل المؤهلات وقد لايخفى بعض شكوكه في صحة البيانات والشهادات ويركز على الكروت الصحية ووجوب الحصول عليها على وجه السرعة والدقة وتلاحظ كذلك أنه يكثر المشاورة الهامسة مع أعضاء اللجنة في أثناء المعاينة ويجعل بينه وبين المرشح السوداني للوظيفة مسافة كأنه يحذره من القرب أكثر من اللازم ممن سيكونون رؤساءه في المستقبل القريب جداً إذا هو كان محظوظاً واختير للوظيفة. وقد يرمي بالكلمة الإنجليزية هنا وبالكلمة المعربة هناك مشيراً من طرف خفي إلى التنبيه أنه قد سافر وتدرب هناك. هل في اطراد هذين النموذجين في معاينات العرب ما يدل على فكرة ما؟ أنموذج الشيخ العربي العالم السهل الأريحي هو النموذج الذاهب وأنموذج الشاب البراجماتي العسير المتحفظ هو النموذج الآتي.... أقول هل نجح الغربيون في تغيير التركيبة المزاجية والذهنية والتعليمية والإجتماعية للخليج ... وإذا كان ذلك صحيحاً فكم مقدار الربح والخسارة؟