ما أوضحته نتائج الاستفتاء باختيار الجنوبيين المغادرة بنسبة تجاوزت 97.% في استفتاء حق تقرير المصير عبر عن حقيقة خمس وخمسين عاما من الفشل هي ابرز ما ميز الدولة السودانية منذ استقلالها وحتى الآن، السؤال الموضوعي هل يمثل الانفصال خروجا من الفشل ام استمرار متلازمة الفشل فيما تبقى من جغرافية الوطن ؟ منظمة افريقيا للعدالة حاولت ايجاد اجابة للتساؤلات التي تكتنف الجميع حول مستقبل السودان بعد الانفصال من خلال حلقات دراسية تتناول مجمل مواضيع النقاش في قضايا ما بعد الاستفتاء وتحت شعار (نحو سلام ديمقراطي ورفاهية المجتمع ) الشعار الذي تواجهه مجموعة من التحديات على ارض الواقع السوداني ما بعد الانفصال مع التركيز على واقع الشمال ما بعد الانفصال، الآثار المتوقعة في الجوانب كافة والعبر والدروس المستفادة من التجربة تلافيا لتجددها مرة اخرى وهو الأمر غير المستبعد بحسب ما جاء في افادات المتحدث الرئيس في الندوة الدكتور الطيب زين العابدين متعرضا لاربع نقاط اساسية تتعلق بالفرص المتاحة امام دولة السودان الشمالي بعد الانفصال تناول فيها ما اسماه بازدياد حالات التقارب اكثر مابين مكونات الدولة وهو الامر الذي يزيد من درجات تحقيق الاستقرار السياسي ويقود كذلك الى بناء امة منسجمة تحدد هويتها على هذا الاساس دون ان يعني ذلك الغياب التام للتعدد ما بين المكونات في الدولة الجديدة ،وهو امر سيقود لاعادة هيكلة الدولة وتحديد سياساتها وتكون متسقة مع نفسها بعيدا عن دعاوى الجهوية والتخصيص التي جاءت بها نيفاشا وبرزت في اقاليم متعددة في البلاد وهو ما يعني غياب الاختلال الاداري بين اقاليمها خصوصا في ظل انتفاء الحجة القائلة بان الجنوب هو الازمة التي واجهت النظام وبالتالي الصعود على الدبابة او عبر تحريك الشارع في انتفاضة، واضاف ان الوعي السياسي والاجتماعي بالشمال يمكن ان يساهم في اعادة البناء للدولة الجديدة الا ان هذا الامر رهين بتوفير مطلوباته الاساسية وهي تطبيق الديمقراطية وكفالة الحريات واحترام حقوق الانسان ،ورسم زين العابدين صورة اخرى تحمل بين طياتها التحديات التي ستواجه سودان ما بعد الانفصال يحددها اولا في بروز اسوأ السيناريوهات وهو الانفصال المتبوع بحرب وهو ما يعني افراغ الاتفاقية من مضمونها الاساسي وهو استدامة السلام بالسودان ،مشيرا الى ان ابيي وانفجاراتها الآنية تنذر بالعودة لمربع الصفر بين الجانبين وهو ما يبدو واضحا من بقاء الجيش الشعبي هناك في مكان وموضع غير موضعه ،وهو ما يعني عدم صمت قوات الشعب المسلحة وتوقع دخولها في أية لحظة. وفي نفس سياق التحديات يمضي الطيب نحو نقطة اخرى تتعلق بالنزاع وهي منطقة دارفور وضرورة ايجاد حل لها بصورة توافقية مع مكونات المجتمع الدارفوري ككل عبر السلام من الداخل الا انها تجربة تحيط بها الكثير من المعوقات ويطاردها شبح الفشل لنفس التجربة التي طبقت بالجنوب في تاريخ سابق قبل ان يمضي معددا تحديات اخرى وكأنه لم يبعد بعد عن نقطة الهامش متحدثا عن الواقع في كل من ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان عبر التحديات التي تواجه عملية المشورة الشعبية رغم سيطرة المؤتمر الوطني على المجلس التشريعي في النيل الازرق وتوقع سيطرته على تشريعي جنوب كردفان، الا ان التحدي يكمن في وجود قوى تحمل السلاح في المنطقتين والتحدي الجديد هو تحدي يتعلق بالميراث الدستوري وعلاقة التعاطي بين الوطني صاحب السلطة والقوى الاخرى بعد ذهاب الحركة الشعبية والتي كان الوطني احرص على الاتفاق معها بعيدا عن تلك القوى السياسية ،والامر ينطبق على مواقفها ايضا التي تتسم بالتباعد عن الوطني والتقارب مع الحركة في كثير من المواقف، وختم التحديات بالتحدي الاقتصادي الذي سيواجه الشمال بعد خروج النفط من الميزانية ،وهو امر لا يعني خروجا كاملا وربما يعود عبر تأجير الانابيب الناقلة، ولكنه لن يكفي بنفس الغرض وانتقد عمليات المعالجة للازمة على حساب الفقراء مشيرا لان هذه المعالجة كان يجب ان تتم على حساب مؤسسات الدولة التي تنال القدح المعلى من الميزانية بدلا من الفقراء واضاف ان العلاج الحقيقي يتم بتنمية موارد الدولة الزراعية والحيوانية ، واضاف زين العابدين ان نزاعاً واستقطاباً حاداً سيسود الشارع انطلاقا من التساؤل حول مسؤولية الانفصال التي يتحملها الوطني وبصورة كبيرة انطلاقا من مسؤوليته حول توقيع الاتفاقية وتنفيذها على ارض الواقع وحالة الشد والجذب مع الشريك الآخر الموقع عليها دون ان يعني ذلك تبرئة ساحة الآخرين من مكونات القوى السياسية الاخرى في المسؤولية وقال ان حالة الاستقطاب السياسي بدأت الآن في اعتقال الترابي وستستمر كما ان الانفصال سيعيد التساؤل حول اسلامية الدولة وهامش الحريات . بعدها تناول زين العابدين الدروس والعبر من التجربة واول درس كان هو التأكيد على فشل الحكومات السودانية ما بعد الاستقلال في ايجاد صيغة متفق عليها لادارة التنوع والتعدد وهو امر يبدو واضحا في من خلال النظر لمناطق التوتر في السودان مشيرا إلى ان الحكومات المركزية كانت تظن ان الاعتراف بالتعدد المنصوص عليه فقط يمكن ان يضع حلولا للمشكلة دون اتباعه بالعمل الحقيقي على ارض الواقع فماذا يفيد النص الدستوري حينما تناقضه الافعال على مستوى الواقع وقال ان الشعارات وحدها لا تبني دولا متعايشة فالامر اكبر من اعتراف شفاهي بل هو ادارة حقيقية ، مشيرا للتجربة الباكستانية في هذا المجال وقدرتها في ادارة التنوع بصورة ممنهجة مستندا بشكل اساسي لمناهج التعليم التي تتشارك كل الاقاليم في وضعها وهو الامر الذي لم يحدث في السودان والقى مسؤولية الفشل على النخبة التي ادارت السودان ما بعد الاستقلال مضيفا ان الامر لو استمر في هذا الجانب فان حق تقرير المصير لن يقف في محطة الجنوب وربما تلحق به اقاليم اخرى، وقال ان الحكومة ستكتشف متأخرا ان اعطاء دارفور حق الاقليم الواحد هو عملية ايجابية وليس سلبية ويمكن ان تساهم في ايجاد معالجات طال انتظارها ،ووصف الطيب زين العابدين عملية تطبيق اللامركزية بانها عبارة عن انتهازية سياسية مستدلا بتجربة الغاء ولاية غرب كردفان وبدون الرجوع لاهلها ووصف عملية تقسيم الولايات بانه امر بلا جدوى سياسية او ادارية مؤكدا ان 50.% من ميزانية الولايات تأتي من الحكومة الاتحادية والتي تحدد بدورها معايير التصرف في الميزانية دون ان تكن لتلك الولايات سلطات التصرف الحقيقي واضاف ان ايرادات كل موارد الولاية لا تكفي مخصصات الدستوريين فيها وهو ما يعبر عن سيادة نمط الترضية السياسية لا اكثر. وقال انه من انصار العودة لتقسيم الاقاليم في عهد الانجليز واضاف ان نمط الترضية السياسية واضح في وجود 77 وزيراً و12 مستشاراً في ظل الازمة الاقتصادية وارتفاع الاسعار وهو ما جعل وزير المالية يطالب باعادة الهيكلة واضاف (راجي شنو طيب ما تهيكلا ) واقترح ان يتم تقسيم الايرادات القومية وفق معيار التخلف في المناطق من اجل تحقيق المواكبة وسد الفجوة بين مكونات الدولة عندها يمكن ان تلغي فكرة التهميش من خلال المشاركة في السلطة المركزية واضاف ان هذا الامر سيلغي عملية التنمية غير المتوازنة التي انتجت الكتاب الاسود وهو تعبير عن تدني شديد في معايير التنمية وهو الامر الذي حدث في طريق الانقاذ الغربي وسيادة نمط خلوها مستورة. ومن الدروس المستفادة هي ان ما يعكس في وسائل الاعلام هو ثقافة الوسط فقط وهو نفسه الذي يعكس في مناهج التعليم الامر الذي ادى لتراجع مفهوم الوطنية وهو امر يجب ان يكون معلوماً للكافة مشيرا إلى ان المؤسسات التي كانت تعكس التعدد تراجع دورها الآن مثل القوات المسلحة التي ستفقد 30 ألف جنوبي وتجفيف بخت الرضا والمدارس القومية والدور السلبي للداخليات واضاف ان التراجع يبدو واضحا ،ففي فترة الاستعمار كان مؤتمر الخريجين يحتج على ذكر القبيلة في شهادة الميلاد والآن هي مضمنة في طلب الحصول على وظيفة . التناقض والتراجع الذي تناوله الطيب بدا واضحا في مداخلات الحاضرين للندوة والمناقشين الذين اكدوا على ان الاعتراف بالتنوع والتعدد هو شرط اساسي للاستقرار السياسي في مستقبل البلاد ،الاستقرار الذي لن يتأتى مالم تسود الديمقراطية كقيمة اساسية في التعاطي السياسي وليست كآلية يتم التنازع باسمها من اجل الوصول الى كراسي السلطة ومن ثم إلغائها في سلة المهملات.