انفصال الجنوب هل هو اولى خطوات التمهيد نحو سودان جديد في الشمال يتخذ صفة التعددية والديمقراطية ام هو دخول نحو عوالم من اللا استقرار السياسي الذي عاشه السودان منذ استقلاله وحتي الان ؟؟ مع الوضع في الاعتبار الحديث عما هو سائد الان والمسمي عند كثيرين بتجربة الديمقراطية الرابعة التي بدأت في سودان مساحته مليون ميل مربع وتستمر الان في ظل تغير الجغرافية الوطنية وسماها البعض بجمهورية السودان الثانية والتي جاءت علي اطلال فشل الجمهورية الاولي والتي انتهت بفصل الجنوب كاحد معايير فشلها والذي يتواكب مع معايير اخري للفشل تتعلق بطبيعة الممارسة السياسية بالسودان طوال الحقب السياسية والحكومات المتعاقبة، الا ا ن استخدام مصطلح الفشل وحده في توصيف الحالة السودانية ليس هو خارطة الطريق للوصول لنجاح المستقبل الذي يتحقق فيه الاستقرار وهو ما جعل كلية التجارة بجامعة النيلين تعقد منتداها الدوري الاول والتي عقدته وسط مشاركة كبيرة من المهتمين بالواقع العام في السودان من الذين يؤرقهم السؤال المتعلق بالمستقبل وهو ما بدا واضحا من خلال عنوان المنتدي «السودان بعد الانفصال الواقع والتحديات السياسية » الواقع تمثل في الحديث عن راهن الديمقراطية الرابعة الماثلة الان بينما تمثلت التحديات في اطار مستقبل العلاقات بين الحكومة والمعارضة في ظل ماهو راهن او ما هو مقبل ،العلاقة التي يري انها هي سبب كل بلاوي الوطن منذ استقلاله وحتي الان وهي ما كانت محورا للورقة التي قدمها البروفيسور حسن الساعوري وعقب عليها الدكتور صبحي فانوس والدكتور بهاء الدين مكاوي تناولوا فيها الواقع الراهن محاولين رسم صورة لمستقبل العلاقة بين الحكومة والمعارضة في السودان. البروفيسور الساعوري بدأ ورقته باعتبار ان انفصال الجنوب قد مهد لبناء نظام ليبرالي ديمقراطي متعدد في السودان الا انه رهن تحقق هذا النظام بضرورة الاستفادة من اخطاء الماضي ومن التجارب السياسية في الديمقراطيات السابقة، واعتبر ان معادلة الابعاد والاقصاء هي التي قادت للانقلابات العسكرية في تلك التجارب السابقة ويجب ابعادها الان حتي لا نكرر الفشل، واعتبر الساعوري ان كل تجارب التحالفات الحزبية السابقة تجارب فاشلة في الفترات الديمقراطية، واضاف ان حتي التجارب التحالفية لقوي المعارضة كانت ايضا فاشلة، مرجعا ذلك لمجموعة من العوامل اولها ان هذه التحالفات كانت تحالفات قيادات وليست قواعد وتقوم علي ترجيح الهدف الذاتي علي حساب الهدف العام وارتبطت بهواجس المكر والكيد السياسي المتبادل وجعل لكل مكون خيط اخر غير خيط التحالف وغابت فيها آلية التنظيم الفاعلة والندية بين القوي المكونة للتحالف واحتكار اتخاذ القرار من مراكز معينة يقود للانشقاقات ووجود اجهزة متنافسة داخل الجسم الواحد وارتباط التحالفات بالتفكير الانتهازي المتعلق بعملية السلطة فقط، كل هذه العوامل ادت لتفكك التحالفات السابقة وكذلك انتجت ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، ومع ضرورة تجاوز هذه الاخفاقات يري الساعوري في ورقته ان امرا مهما وجديرا بالتناول في الفترة القادمة وهو الامر المتعلق بالحجم الكبير للتحولات في السودان وهي تحولات اثرت علي عملية الانتماء في البلاد والتي تراجعت من انتماء للوطن الي الجهة والقبيلة والاثنية وصارت هي محددات التعاطي السياسي، وقال ان الفيدرالية ساهمت في تراجع درجة الاحساس بانك سوداني، وقال ان تراجع الدور الحزبي للقوي الكبري من الاحزاب السياسية السودانية جعل من عملية التعددية السياسية تعددية متعددة الاتجاهات ومضاعفة حيث دخلت الجهة والاثنية والعرقية والاقليم وهو ما يعني ان اي نظام قادم لن يكون نظاما يسيطر عليه حزب واحد، ومن المستحيل ان يسيطر علي البرلمان اغلبية حزبية وهو ما يعني ان اولي خطوات تحقيق الاستقرار السياسي في السودان تتمثل في قيام حكومة ذات اغلبية يشارك فيها كل الناس ويتم تشكيلها وفقا لصيغة دستورية جديدة واقامة انتخابات علي اساس التمثيل النسبي وليست علي اساس الدوائر الجغرافيا كما كان يحدث سابقا ، وهي عملية ستحدد الحجم الحقيقي لاي حزب وبالتالي المشاركة وفقا لهذا الاساس، وبحسب ورقة الساعوري فان هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار، واقترح ان تكون فترة الحكومة عشر سنوات وان يقنن الدستور لعملية تجاوز الصراعات ذات الطابع السياسي من اجل تجاوز نظريات الاقصاء السياسي او نظرية احتكار السلطة من قبل مجموعة واحدة مدعاة للاستبداد واعادة لسلسلة الفشل السياسي، بالرغم من ان الساعوري يري ان الاوضاع السائدة الان ما بعد الانفصال هي مدخل مهم تتوافر فيه كل درجات الاتفاق التي تقود الي اعادة بناء الامة وهو امر لن يتأتى الا بتوفر شرط اعلاء قيمة ما هو وطني وقومي علي قيمة ما هو حزبي، وطالب الساعوري بان لا يتخذ السياسيون قرارا يسبق القرار الذي يتخذه الخبراء في المجال المعين وهو ما يعني ان شروط التجرد من الحزبية والمصالح الضيقة هي المدخل الذي سيعبر منه السودان الي الاستقرار المنشود والمفقود منذ الاستقلال . الا ان الدكتور صبحي فانوس في مداخلته يتخذ بابا اخر يتعلق بمجموعة من الملاحظات كانت اولي تلك الملاحظة هي المتعلقة بضرورة تحويل طبيعة النظام السياسي من نظام رئاسي هو السائد الان الي نظام برلماني باعتباره مدخلا للاستقرار السياسي وهو ما يتقاطع مع الفكرة نفسها لان كل النظم البرلمانية السابقة وتحالفاتها كانت بلا جدوي، مشيرا الا النظام المطبق الان يضع عملية اختيار السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب مقترحا ان يتم التحول الي النظام المختلط بالاستفادة من تجربة النظام الفرنسي، واعتبر ان تحديا اخر سيواجه الدولة في السودان وهو تحدي المزاوجة ما بين تطبيق الفدرالية كمطلوب ومواءمتها لفكرة الوحدة في تنوع وليست محاولات تطبيق نظام يتخذ الطابع الاحادي ويرسخ لثقافة واحدة في مقابل الثقافات الاخري، مضيفا حتي اننا لو اكدنا فكرة تطبيق النظام الاسلامي فان ثمة اختلافات ستواجهنا حتي داخل النموذج الواحد، واشار الي ان تحديا اخر سيواجه البلاد زادت من حدته الثورات في المنطقة وهو تحدي التحول من نظام سلطوي قابض الي نظام ديمقراطي متعدد ، وان النجاح في هذا التحول هو المدخل الحقيقي نحو الاستقرار، وقال انه امر يتطلب قدرا كبيرا من الاصلاحات الدستورية حتي يكون تدخلا بلا قيود والا فاننا ستجد انفسنا نعيد انتاج نظام الحزب الواحد بصيغته الشمولية وهو امر لتجاوزه يجب الخضوع لتجربة انتخابات جديدة بالبلاد من اجل التداول السلمي للسلطة . في مداخلته رفض الدكتور بهاء الدين مكاوي رهن عملية الاستقرار في السودان للعلاقة بين الحكومة والمعارضة ، مشيرا بشكل اساسي للاحزاب التقليدية التي قال انها لم تعد تمثل المعارضة وتراجعت بشكل كبير تاركة المساحة للحركات ذات الطابع الجهوي التي حملت السلاح ودخلت الي السياسة من ابوابها الواسعة والي منظمات المجتمع المدني، وقال ان المعارضة القادمة لن تكون من احزاب التاريخ والتي لم تعد كما كانت في السابق، مشيرا الا ان هذه الاحزاب تعاني من مشاكل عويصة تتعلق بالمؤسسية والعلاقة بين مكوناتها والي غياب آليات الديمقراطية في داخلها ، مشيرا الا ان هذه الاحزاب ومنذ 40 عاما لم يتغير قادتها مما يجعل عملية رهن المستقبل بالتاريخ امرا لا جدوي منه ، قبل ان يضيف ان عاملا اخر سيكون له تأثيره الفاعل وهو عامل الثورات الشبابية في المنطقة اكثر من الاحزاب السياسية، ويقول بهاء الدين ان الاستقرار في السودان مستقبلا رهين وبشكل اساسي بقدرة النظام الحاكم علي ايجاد حل لمشكلة التكامل القومي داخل الوطن والعمل علي عدم تكرار تجربة الجنوب والاستجابة لدعاوي التهميش بانجاز المزيد من مشاريع التنمية واعادة ادارة التنوع وفقا لرؤي جديدة ، واستراتيجيات ادارة التنوع تبدو اهم من استراتيجية ادارة التحالفات، ويجب ان تنال الاولوية في التناول، كما ان النظام مطالب بالتأكيد علي نصوص التعدد الواردة في نيفاشا والعمل بها وتطبيقها وهو العامل الرئيسي في تحقيق الاستقرار السياسي وضمان مستقبل السودان.