٭ العالم كله ومن خلال الاذاعات والفضائيات يتحدث عما فعله الشعب في تونس الخضراء... تونس الشابي الذي قال من يتهيب صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر.. الشعب في تونس لم يتهيب صعود المتاعب والتضحيات حتى لا يعيش في حفر القهر والاستبداد.. الشاب محمد بوعزيزي.. احرق نفسه ليضيء طريق الثورة وليفترع اسلوباً جديداً في اشعال الثورات لان القهر والاستبداد شمخ ونما في بلدان العالم الثالث في كل الدنيا.. دونكم الشبان الذين فعلوها في الجزائر وموريتانيا ومصر وان حاولوا في السودان سيكونون كثر مع فتاوى العلماء الذين حرموا هذه الطريقة التي تفرضها ضخامة الاحساس بالزهج»واليأس. ٭ مع هذا الزخم الاعلامي ما بين موعد اعلان نتيجة الاستفتاء وما يدور حول المشورات التي لم يفهمها الكثيرون حتى الآن ومع أبيي وتصريحات دكتور نافع وسخريته من المعارضة بل وتحديه لها.. كانت ترقد الى جانبي رواية غادة السمان «كوابيس بيروت» ومددت يدي نحوها وقرأت الكابوس الاول ورددت مع نفسي يا ساتر.. الكابوس يقول: «حينما طلع الفجر كان كل منا يتأمل الآخر بدهشة كيف بقينا احياء؟ كيف نجونا من تلك الليلة؟ فقد قضينا ليلة كانت القذائف والمتفجرات والصواريخ تركض فيها حول بيتنا كأن عوامل الطبيعة قد اصيبت بالجنون.. وكانت الانفجارات كثيفة كما فيلم حربي سييء لكثرة مبالغاته. لم نكن صحونا جيداً من «عدم نومنا» حين اتخذنا قراراً سريعاً باخراج الاطفال والعجائز من البيت وخلال عشر دقائق من الركض الهستيري بين غرف البيت لجمع حوائج سيتبين لنا حتماً فيما بعد انها غير ضرورية.. كانت القافلة تهبط سلم البيت الى الحديقة ومنها الى السيارة العتيقة وكان زجاجها الامامي مثقوباً برصاصة عند موضع رأس السائق أي عند موضع رأسي والزجاج الخلفي محطما ومتماسكا في مكانه، تحسست رأسي وفرحت حين وجدته في مكانه دون أي ثقب اضافي.. منظر الرصاص في الزجاج زاد من جنوننا لتهريب الصغار جداً والكبار جداً كان لاصوات التفجيرات مفعولا غامضا كالمخدرات.. كأنها تطلق في الاعماق طاقة سرية مختزنة تلجم في الوقت ذاته صوت المنطقة اليومي والعقل العادي المتداول. ٭ يبدو اننا اغلقنا أبواب السيارة علينا بعنف.. فقد تساقط الزجاج المحطم الذي كان متماسكاً رغم شروخه وسقط فوقنا قطعاً بيضاء صغيرة كالثلج الشرير. ٭ كان خوفي الوحيد من ان تقرر سيارتي العتيقة ممارسة احدى الاعيبها كأن تعتصم بارض الشارع وتضرب اليوم عن العمل.. كان قلبي يضرب كطبل افريقي مجنون وانا ادير مفتاح «الكونتاكت» تحركت السيارة كالمنومة مغناطيسياً كنت اقودها وفي ذهني خاطر واحد.. التخلص من حمولتها البشرية الاقل صبراً على الرعب والعودة الى البيت. ٭ انزلتهم امام بيت بعض الاقارب وعدت الى الدرب نفسها مثل دمية ربط «زمبركها» وهي تؤدي دورها على الخط المرسوم لسيرها دونما توقف وحتى لو اصطدمت بطرف سجادة او ساق كرسي فانها ستظل تتابع حركتها الآلية. ٭ هذا ما حدث لي حين مررت بحواجز المسلحين الجدد الكثر لم اتوقف ولم اسرع ولم اشعر بانني رأيتهم ولم تبد على وجوههم غير الدهشة.. كان من الواضح ان السيارة مصابة بزخات من الرصاص وخصوصاً موضع رأسي... وكان المدهش انني ما زلت احيا واقودها دون اي تعبير على وجهي وربما ظنوا انني مت حين اطلقت النار على السيارة وها أنا اقودها في طريقي الى الآخرة.. ووحدها الدرب الى الآخرة سالكة وآمنة وبلا حواجز وهكذا لم يستوقفني أحد». هذا مع تحياتي وشكري