الكتابة عن الروائي الكبير الطيب صالح، امر في غاية الصعوبة، فالرجل قد نحت اسمه على صخرة الخلود بقصصه، ورواياته، وكتاباته النثرية الانيقة، ومقابلاته واحاديثه عبر الاذاعة والتلفاز، معبرا عن انسان هذا الوطن، في كبريائه وشموخه وحبه للسودان الوطن البهي الجميل، الذي ظل يحمله في دواخله في الحل والترحال. الطيب صالح الذي تحدث عن ان النقد لا يتم الا عن محبة، احب هذا الوطن كاجمل ما يكون الحب. وقد كان من حسن طالعي اني قرأت اعمال الطيب صالح الابداعية ضمن المنهج الدراسي في مجال تخصصي «اللغة الانجليزية والادب» وقد كانت هذه الكتابات هي الامتع بين كل ما درسناه في المنهج. وبعد انتهاء الدراسة لم تنقطع الصلة بيني وبين كتاباته، فكنت من وقت لآخر اعيد قراءة عرس الزين وموسم الهجرة وكنت ارى فيهما ما تمثله من استلهام لروح الشخصية السودانية في تصوفها وبساطتها وعمقها الروحي وما يلازمها من ميثولوجيا وكرامات وخوارق قبل ماركيز وبقية كتاب اميركا اللاتينية. وشخصيات الطيب صالح التي تعمر جوانبها بالغيبيات والخوارق، الميتافيزيقية والتي لا تستوعبها الا ارواح المتصوفة، وتمتلئ الروايات حتى بندر شاه «ضو البيت ومريود» بهذه الاجواء الصوفية وهي اي هذه الروايات مكملة لمشروع الطيب صالح الروائي. واحاول هنا ان اقرأ الطيب صالح في بعده الانساني والفلسفي ممثلا في منحى حياته وهو جانب لم تتم اضاءته بصورة كافية، لانشغال القراءة والنقاد بالادهاش الذي تثيره في النفوس كتاباته القصصية والروائية. والطيب صالح الذي تعامل مع المجتمع الانجليزي، والذي ارتبط باحدى فتياته زوجة ورفيقة درب، تعامل مع هذا المجتمع بوعيه، وبتصالح مع الذات والآخر، ولعل ميزة الطيب صالح التي تجلت في مشاعر الحب والتقدير التي لقيها في حياته والوفاء الذي جسده «الآخرون» بعد رحيله، فقد جاء نتيجة اكتشاف الآخرين لروح التواصل الانساني العابر للحدود، الكامنة في اعماقه. ولعل الطيب قد استقرأ باكرا ما تجيء به الايام المقبلة من عولمة وقفز وراء الحدود والاسوار. والطيب صالح اغنية عذبة وحضور دائم أينما قرأ الناس رواياته، وتذكروا شخوصه من امثال الزين، والحنين، ومحيميد ومحجوب وجماعته، وحسنة ونعمة، ففي كل مجتمع انساني من يشبه شخصيات الطيب لان الجوهر الانساني في حقيقته يكاد ان يكون واحدا.