تنظر محكمة جنايات الخرطوم شمال برئاسة مولانا مدثر الرشيد في ما إذا كانت ستوجه تهماً محددة تتعلق بإثارة الحرب ضد الدولة وإثارة الفتنة ام تشطب الدعوى المرفوعة من قبل الادارة القانونية لجهاز الامن والمخابرات الوطني في مواجهة المتهم الصحافي عبدالقادر باكاش مدير تحرير صحيفة صوت برؤوت الناطقة بلسان حزب المؤتمر الوطني بولاية البحر الاحمر ، اي بمعنى ان المحكمة الموقرة ستنظر اليوم فيما إذا كانت ستأمر بإطلاق سراح الصحافي باكاش الذي ما يزال موقوفاً ام ستمضي في النظر في الدعوى ويظل الصحافي موقوفاً وفق الاجراءات التي حددها قانون الامن الساري المفعول . وقد حددت المحكمة الموقرة ظهر اليوم موعداً للبت في المسألة بعد ان إستمعت الى المتحري في البلاغ التابع لنيابة امن الدولة قسم المباحث الجنائية واستمعت للشاكي المستشار بوزارة العدل والمنتدب لدى جهاز الامن والمخابرات مثلما استمعت للمشكو ضدهما رئيس ومدير تحرير صحيفة برؤوت ومداخلات كلٍ من ممثلي الاتهام والدفاع وبالتالي لم يتبقَ الا ما وعدت به المحكمة اليوم الذي سيكون يوماً حاسماً في تاريخ الصحافة السودانية والقضاء على حدٍ سواء، حيث ان ملامح القضية تكشفت خلال مداولات الإتهام والدفاع وكأنها معركة بين واجبات السلطة التنفيذية وواجبات وحقوق السلطة الرابعة ومدى تورط الإرادة السياسية في التلاعب بالسلطتين بقصد او بغير قصد . فقد اتضح من أقوال رئيس التحرير المتهم انه قرأ المقال محل الدعوى ولم يجد غضاضة في السماح بنشره باعتباره مقال رأي لكاتب راتب وانه لا يتعارض مع القوانين المنظمة لحرية النشر والتعبير والتي تنص ايضاً على حرية الرد والتعقيب على مقالات الرأي وهو عين ما اورده كاتب المقال باكاش في افاداته للمحكمة وزاد بالقول انه اورد رأيه ويصر عليه باعتباره نصيحة واجبة الإيفاء لمتخذي القرار في السودان، وانه لا يدري بأية تهمة سيحاكم اذا كانت الدعوة الى الانفصال امراً مسموحاً به وله منابر حرة وقادة رأي معروفون في إشارة واضحة الى منبر السلام العادل وصحيفته والى تساؤلات امير الشعراء أحمد شوقي ( أحرام على بلابله الدوح حلال علي الطير من كل جنس ؟). نعم سيكون ظهر اليوم يوماً حاسماً في تاريخ القضاء والسوابق القضائية ، سيكون يوماً فصلاً يتكشف للجميع فيه ما إذا كان القضاء السوداني مستقلاً ومحايداً وبعيداً عن تأثيرات الجهات الاخرى ام ان المسألة مسرحية يجيد الممثلون ادوارهم فيها ببراعة بحيث يتم توجيه الإتهام لصحافي كتب ما ظل يكتبه آخرون على مدى سنوات لم توجه لهم خلالها اي إتهامات حتى ظن الكثيرون ان المسألة في حقيقتها برنامج حكومي مرعي ومقصود للوصول الى نتيجة وهدف واحد هو تقسيم السودان على اسس إثنية وثقافية ودينية ، ان اركان الدعوى ضد الصحافي التي تبدت للحضور بالأمس كانت هشة سرعان ما دحضها محامي الدفاع الاستاذ البارع الطيب العباس فقد استطاع في اول مراحل الدعوة تفنيد اساسيات الاتهام الموجه لموكله وأثبت على لسان الإتهام ان المقال المنشور يحتوي على رأي يناهض إدعاءات الشاكين ويدحض التهم الموجهة لموكله هذا غير العيوب الكثيرة التي تضمنتها عريضة الاتهام . والمدهش في هذه القضية العجيبة ان الصحيفة التي نشر على صفحاتها الصقيلة المقال محل الدعوى هي صحيفة مملوكة للحزب الحاكم بولاية البحر الاحمر وهو الحزب الذي يفترض ان يمثله الشاكون بمختلف مسمياتهم وأن قادة الصحيفة هم عينهم قادة الحزب الحاكم في تلك الولاية اي بمعنى ان المتهم إفتراضاً هو عينه الشاكي فأي تناقض هذا وأي تخبط هذا؟ إنه عين التخبط والتناقض الذي وقعت فيه الحكومة من قبل حينما رعت وشجعت التيارات الإنفصالية في الشمال والجنوب وكانت نتيجته ان صوت سكان جنوب السودان لخيار الإنفصال المرعي بنسبة بلغت 57،99%.