أحدث اندلاع انتفاضة الشعب المصري في 25 يناير 2011م، التي نظمها مجموعة من الشباب عبر تقنيات الاتصال الحديثة وشبكة الإنترنت، صدمة بالغة ومفاجأة عاصفة للنظام المصري، حيث تهاوت أهم ركائز حكم الرئيس المصري حسنى مبارك ممثلة في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم والأجهزة الأمنية المختلفة التي حكمت البلاد بقانون الطوارئ طوال العقود الثلاثة الماضية، وبقيت ركيزة وحيدة للحكم لم تحسم موقفها من النظام بعد هي القوات المسلحة التي تقف بعض قيادتها بجانب الرئيس مبارك ويتعاطف أفرادها مع انتفاضة الشارع، بينما تلتزم قوتها الضاربة بالحياد حتى اللحظة حفاظاً على الأمن والاستقرار الذي انفرط فجأة دون سابق إنذار، نتيجة لانسحاب قوات الأمن والشرطة بما فيها قوات الدفاع المدني من المشهد المصري، على نحو غريب يستعصي على فهم العالم المتحضر، خاصة بعد أن عمت الفوضى وحالات النهب والسرقة والتعدي على المواطنين التي يُتهم الأمن بإحداثها للعودة إلى سلطة القمع القابضة بإعلان الأحكام العرفية. وساقت الضربة الجوية الناجحة في العاشر من رمضان 1393ه، «أكتوبر1973م» قائد الطيران اللواء حسني مبارك، إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، وكان مبارك على موعد جديد مع الذكرى الثامنة لحرب أكتوبر ليحظى بوراثة السلطة يوم المنصة الشهير إثر اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في السادس من أكتوبر 1981م، وكانت بداية عهده مريحة للشعب وشرائحه الحية، حين أفلح في الخروج من أزمة قرارات سلفه القمعية في سبتمبر 1981م، حيث أعلن مبارك بأنه متمسك بحرية الصحافة والديمقراطية وتداول السلطة، واعداً بألا تتجاوز مدة رئاسته الفترتين، وعندما تجاوزها كان الرئيس مبارك قد استمرأ الجلوس على سدة السلطة، وزيَّن له معاونوه أن استمرار حكمه هو ضمان لاستقرار مصر وتقدمها الاقتصادي، فبقي الرئيس لاصقاً بكرسي الرئاسة ومتشبثاً بالحكم رغم تقدم السن وظهور أعراض الشيخوخة والهرم ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم ولكن شهوة الحكم الغالبة على الرئيس زيَّنت له توريث ابنه جمال بمصادرة حقوق الشعب وتغييب صوته عبر وسائل القمع والقهر والترهيب بالبلطجة والتزوير والظلم الاجتماعي والفساد الاقتصادي. لقد استلهم شباب «الفيس بوك» ثورة «الياسمين» التونسية، فتحولت انتفاضة 25 يناير إلى ثورة عارمة يوم الجمعة 28 يناير 2011م، فتحدى القمع وحظر التجول بعد أن تنسم الشعب المحروم عبير الحرية، ولاحت فرص ضمان حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والعيش الكريم، ولم يعد أمام الرئيس مبارك سوى الإذعان لإرادة الشعب، فما عادت «مصر المؤمنة بأهل الله» تحتمل نظامه المتهالك، كما لن يحتمل المتحف المصري مومياء محنطة أخرى للفرعون، وليس أمام مبارك سوى ركوب التونسية التي هامت «بابن علي» على وجهه إلى أن هبط بمطار جدة.. وحتماً ستكر السبحة على كافة المؤبدين في الحكم.. وستتلاقى الشعوب في نهائي دوري الثورة الشعبية.