مستشفى الخرطوم تتردد عليه ما بين 800 الى 1000 حالة يوميا، 60% منها تأتي من الولايات، وينحصر عدد الدخول الى الحوادث ما بين 300 الى 450 حالة اكثر من 50% منها متعلقة بالباطنية، وفي مارس من عام 2010 أنشئ به أضخم مجمع للجراحة بالسودان، والآن بعد مضي عشرة اشهر على افتتاحه لم يعمل المجمع بالقدر المطلوب، فالعمليات وحدها تحتل عشر غرف.. ولكن الغرف التي تعمل الآن هي غرف جراحة المخ والاعصاب والاطفال والمسالك البولية فقط، وبحسب ادارة المستشفى فإن المجمع يعمل بمعدل 55% من طاقته القصوى، اذ أن هناك جزء لا يعمل حتى الآن، فما السبب الذي جعل حراك عمله محصورا في هذه النسبة الضئيلة مقارنة باحتياج المرضى له. توجهنا الى مستشفى الخرطوم لمعرفة توقف العمل بالمجمع الجراحي الحديث الذي وصفه مدير مستشفى الخرطوم دكتور عبد الله عبد الكريم عند افتتاحه العام الماضي، بالطفرة الهائلة في مجال إجراء العمليات الجراحية الحديثة من حيث الكم والنوع، فهل تنطبق هذه المواصفات على المجمع الآن؟ ويقول نائب المدير العام لمستشفى الخرطوم دكتور مأمون محجوب، إنه من أحدث المجمعات الجراحية في السودان من حيث التصميم والمعدات وكيفية إجراء العمليات. وقال إن الحديث الذي يدور حول توقف عمل المجمع مغلوط، فقد تم تشغيله بعد افتتاحه لمدة شهر وأسبوع، ولكنه لم يعمل بالطاقة القصوى، وقد بدأ بتشغيل تجريبي. وأردف قائلاً إنه ليس من السهل تشغيل مجمع بهذا الحجم لأنه يحتاج الى تمويل ضخم، وقد تم تمويل المجمع على مرحلتين. وفي المرحلة الاولى وزارة المالية والاقتصاد الوطني مولت بما يكفي لحوالي 55% من احتياجات تشغيل المجمع، بحيث وصلت المعدات الجراحية اللازمة للتشغيل في نهاية نوفمبر من العام الماضي، وبدأ التشغيل مباشرة بالعناية المكثفة للحاجة الماسة، فكل المستشفيات الاتحادية ليس بها عدد كافٍ من الأسرَّة. وفي مستشفي الخرطوم لديهم «42» سريراً في المجمع موزعة ما بين العناية المكثفة والعناية الوسيطة، وتسيير العناية المكثفة مكلف، فالمريض يتلقى خدمة العناية المكثفة مجانا في المجمع اذا قارنا ذلك بأفضل المستشفيات الخاصة، والادوية التي تصرف للمرضي ان لم توجد داخل مخازن المشفى يتم توفيرها فورا من الصيدلية المركزية التابعة للمستشفى مجانا، والاجهزة الموجودة في المجمع الجراحي ذات منشأ وتصنيع اروبي، بالاضافة الى الكوادر العاملة لديهم، فاختصاصي العناية المكثفة والحالات الحرجة يعمل على مدى اربع وعشرين ساعة، ففي المستشفيات الأخرى يتم استدعاؤه بجانب التعاقد مع استشاري، وهذا ما يختص بالعناية، وعلى مستوى العمليات تجرى الآن عمليات المخ والاعصاب وجراحة الاطفال وبعض عمليات المسالك البولية. وركزنا على جراحة المخ والاعصاب لأن كل مرضى المخ والاعصاب في السودان يأتون الى مستشفى الخرطوم. وجراحة الأطفال خصص لها يومان في المجمع، لأن قائمة الانتظار في جراحة الاطفال وصلت الى شهر مايو، كذلك قائمة الانتظار لعمليات المسالك البولية وصلت الى شهر مارس. وأضاف مأمون قائلاً إن هناك مشكلات تواجه عمل المجمع، من بينها التمويل الذي يتم على مرحلتين، وحاليا تم فرز عطاءات الشركات المتقدمة لتنفيذ المرحلة الثانية من عمل المجمع، وهذه الشركات ستتعاقد مع شركة الاوراق المالية وليس مع مستشفى الخرطوم، فتمويل المجمع بأكمله تم عبرها، ووزارة المالية لا تعطي المستشفى مبالغ مادية، وإنما يتم اخطار ادارة المستشفى بأن المبالغ المعنية لدى شركة الأوراق المالية، ووضح أن الدورة المستندية تأخذ وقتاً طويلاً جداً، فهم لم يباشروا العمل في المرحلة الثانية الا بعد موافقة ادارة الشراء والتعاقد التابعة لادارة التنمية في وزارة المالية، وبعد ذلك يتم إعلان العطاء، ومدته الزمنية تقدر بأسبوعين، ومن ثم فرزه، والشركات التي يتم التعاقد معها تحتاج الى وقت طويل لجلب المعدات من الخارج، وصاحب الشركة في الغالب قد يطلب ثلاثة اشهر، والمشكلة الثانية التي تواجه عمل المجمع بصورة متكاملة هي توفير الكادر الطبي. وأوضح دكتور مأمون انهم رفعوا الهيكل الوظيفي للمجمع الى وزارة المالية قبل ستة اشهر من افتتاحه، ويتضمن كادرا اجنبيا لتدريب الكوادر المحلية، وتم تصديق الكادر من ديوان شؤون الخدمة ووزارة العمل، وحاليا موجود بوزارة المالية في انتظار التصديق المالي، والطاقم الموجود حاليا يعمل بالتعاقد، وتدفع لهم المستشفى من ايراداتها الخاصة، فوزارة المالية لم تعين احدا الى الآن، فالمستشفى مربوط بحاجة المرضى للكوادر الذين يعملون في المجمع حاليا، ولكي يعمل المجمع بقوته القصوى بنسبة 100% لا بد من اكمال معداته الجراحية، والعقودات الحالية وبحسب مندوب الأوراق المالية تحتاج الى ما بين ثلاثة الى اربعة اشهر للتنفيذ وتصديق الهيكل الوظيفي للمجمع، ولم يقطع دكتور مأمون بتاريخ بعينه لعمل المجمع كما يجب. وسألناه إن كان المجمع قد واجه مشكلات في التصميم، فذكر لنا أنه لا وجود لاخطاء في تصميم المجمع، وانما هي ملاحظات فنية بسيطة رفعتها لجنة فيها اختصاصيون وجراحون واستشاري، والوحدة الهندسية للشركة المنفذة التي بدورها التزمت بمعالجتها قبل الاستلام، وقال ان الاستلام يتم على مرحلتين، تسليم اولي ويبدأ بعده تشغيل المجمع لمدة عام، وبعد ذلك يكون التسليم الفعلي، والجزء الذي لم يتم تفعيله بعد سنتسلمه بشكل اولي إلى ان يكمل عاما من تشغيله. وخرجنا من مكتب نائب المدير العام وتوجهنا الى داخل مجمع الجراحة، وفي الطابق الارضي لم يكن هناك أثر لحراك المرضي او الاطباء، ولكن عندما صعدنا الى أعلى وجدنا طاقم العناية المكثفة بجانب المرضى، بالاضافة الى غرفة جراحة المخ والاعصاب وجراحة الاطفال، ولاحظنا وجود أنابيب كبيرة بإحدى الغرف، وعندما سألنا المهندسة الطبية عنها قالت لنا إنها محطة توليد الاكسجين، وهي متصلة بكل الغرف عن طرق شبكة مخصصة لذلك، وعند دخولنا الى المجمع لاحظنا أيضاً وجود اسطوانات تقليدية، فقالت المهندسة إنها موجودة تحسبا للطوارئ اذا انقطع توليد الاكسجين لأي سبب، وقالت إن الاجهزة التي بالمجمع تم استجلابها من سويسرا واليابان وانجلترا وامريكا والمانيا. وفي داخل غرفة العناية المكثفة، دار حديث بيننا والطاقم الذي يعمل بها، وبداية الحديث كانت عن وضعهم في المجمع بجانب الخدمات التي تقدم للمرضى، فاجابتني احدى السسترات بأن مشكلتهم هي توظيفهم بشكل رسمي، فهم حتى الآن متعاقدون مع المستشفى، وبالنسبة للمرضى قالت ان العناية بهم تتم مجانا والادوية كذلك، وفي بداية الامر كنا نطلب من اهل المريض احضار نوع الدواء المطلوب، ولكن صدرت اوامر من ادارة المشفى بصرف كل احتياجات المرضى من الادوية في العناية المكثفة مجانا، وقالت ان الاجهزة المستخدمة حديثة مقارنة بالاماكن الاخرى التي عملت فيها، واختتمت حديثها بأن المريض لا يواجه اية مشكلات من ناحية الاهتمام، وانما المشكلات تتعلق بهم بوصفهم طاقما طبيا، فهم ليست لديهم وظيفة ثابتة. وبعد ذلك ذهبنا الى غرف العمليات المفعلة بالمجمع، فدخلنا غرفة جراحة المخ والاعصاب وجراحة الاطفال، وعند مرورنا لاحظنا وجود نافذة قالت المهندسة انها للتعقيم، حيث يتم رفع التعقيم آليا عن طريق ممرين ويخرج المتسخ من خلال منفذ آخر حتى لا يدخل مرة اخرى للمجمع. وتشير «الصحافة» الى انها حاولت الاتصال بالمسؤول عن التعاقد مع الشركات التي ستنفذ المرحلة الثانية بالاوراق المالية، الا انه لم يرد على مهاتفاتنا المستمرة، فهل سيأخذ التنفيذ وقتا طويلاً؟ فهناك آلاف المرضى في حاجة ماسة إلى أن يعمل المجمع الجراحي الحديث، ولا يحتملون إهدار الوقت، فالأمر يتعلق بالحياة والموت.