بعد حكاية السي دي المختلف عليها بين المركز السوداني للخدمات الصحفية وحزب المؤتمر الشعبي التي لم ينجل غبارها بعد، جاءت حكاية أخرى طرفاها هذه المرة الاذاعة السودانية وحزب الأمة القومي. وتتلخص القصة في رفض الاذاعة بث خطاب زعيم حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي بعد أن تم تسجيله ضمن الفترة الثانية المخصصة للاحزاب لطرح برامجها، وجاء في حيثيات رفض الاذاعة أنّ خطاب المهدي يتناقض مع موجهات المفوضية القومية للانتخابات و الآلية الإعلامية الخاصة باستخدام أجهزة الإعلام فيما يلي إثارة النعرات القبلية و الكراهية و زعزعة الأمن العام. وقال بيان للاذاعة حول ملابسات مقاطعة حزب الأمة القومي للتعامل معها انها اتصلت بالمسؤولين عن الحملة الانتخابية الخاصة بالصادق المهدي و طلبت منهم إعادة صياغة الخطاب. و حضر بعض من مكتب حملة الصادق المهدي الانتخابية، من بينهم ابنته رباح و بعد سماعهم للخطاب أقرّوا بعدم ملاءمة بعض العبارات، حسب نص بيان الإذاعة، ووافقوا على حذفها مع رفضهم تجاه بقية العبارات المتحفّظ عليها. و من ثمّ وصل الطرفان لطريق مسدود. هذه رواية الاذاعة اما رواية حزب الامة فيرويها عبد الحميد الفضل مدير الحملة القومية لترشيح الإمام الصادق المهدي لرئاسة الجمهورية ويقول في بيان له صدر قبل ثلاثة ايام انهم ذهبوا الى الاذاعة للتباحث حول ملاحظاتها وان عبد العظيم عوض المدير العام للشبكة القومية للهيئة العامة للإذاعة القومية، قال لهم إن خطاب الإمام الذي مدته عشرون دقيقة احتوى على ما يربو عن عشرين نقطة مرفوضة، ومن ضمن مرفوضات الإذاعة كان كلمة “الإنقاذيين”، وأن رأس الدولة ملاحق دوليا، وضحايا الإعدامات التعسفية، وأن انفصال الجنوب تحت سياسات النظام الحالي حتمي، بحجة أن النقاط المذكورة تثير الكراهية ضد الدولة والنعرات، فكان الرد (نقد الإمام كان موضوعيا لا شخصيا، وأن مرشح المؤتمر الوطني الرئاسي وزعماؤه أمطروا الأحزاب المنافسة بالتهم الجزافية التي نقلتها أجهزة الإعلام القومية بكل أريحية، وكالوا للنظام الديمقراطي ذي الشرعية الدستورية الشتائم، وقالوا عن منافسيهم إنهم يتلقون المال من السفارات ولم يقدموا أية أدلة على هذه التهم الجزافية، بينما الإمام الصادق المهدي لم يلق أية تهمة جزافية فالضباط أعدموا بالفعل وقال إن إعدامهم لم يكن عادلا، ومسألة أن الانفصال حتمي بسياسات الإنقاذ هذه لا تحتاج لزرقاء اليمامة وهي قراءة سياسية صارت معلومة في الوطن بالضرورة، ومسألة ملاحقة رأس الدولة دوليا معلومة لا تحتاج لإثبات فهو ملاحق رضينا أم أبينا، والإنقاذيون أنفسهم يتحدثون عن الإنقاذ ولا يزالون والمغالطة في استخدام هذه اللفظة ليست إلا من المغالطات الممجوجة لصالح المؤتمر الوطني..) ويقول الفضل (لقد حاولنا التفاهم مع موظفي الإذاعة حول بعض النقاط غير ذات الأهمية في سياق الخطاب، ولكن وبعد أن اتضح لنا بجلاء أن المقصود تكميم الإمام ونزع الروح عن خطابه)، ومن ثم يعلن موقف حزب الامة المقاطع للاذاعة (رفضنا ونرفض التعامل مع هذه المؤسسة الظالمة، وقد أكدوا أنه في حالة الاختلاف سيرفع الأمر للمفوضية. إننا نعلن وقف التعامل المباشر مع الإذاعة القومية، ما لم نتلق اعتذارا رسميا من اللغة الفجة التي سمم بها مسئولوها أسماعنا، وتراجعا عن هذه الأساليب التكميمية، ونطالب المفوضية القومية للانتخابات أن تحول بيننا وبين هذا العبث الذي يسود في هذه المؤسسة الهامة). وتقودني الحكاية الى أن أسأل الامين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عن اوجه الشبه بين هذه الحكاية وما يجرى بين الشعبي والمركز السوداني للخدمات الصحفية، فيدع الحكاية الأولى ويقول لي عن الثانية أن حزب الامة حزب كبير ومسؤول وتجربته ليست صغيرة لكي تعلمه الاذاعة ماذا يقول في خطابه أو لا يقول (فهو حزب لديه تجربة طويلة وراسخة في العمل الديمقراطي) ويمضي عمر الى أن الاذاعة ليست رقيبا حتى تحدد للقوى السياسية الموضوعات التي تتحدث فيها، مشيرا الى ان المؤتمر الوطني يستغل الاذاعة ويطلق عبارات جارحة في مواجهة رموز القوى السياسية عبارات تصلح للمقاضاة ولكن الاذاعة لا تمارس الرقابة على اداء الحزب الحاكم ولا على الالفاظ التي يطلقها عبرها. ويصف كمال عمر ما فعلته الاذاعة بانه يمثل رأي الحزب الحاكم ويقول (ظللنا نتحدث عن حياد الأجهزة الاعلامية العامة وعن عدالة الفرص والآن نسمع عن رقابة جديدة هي الرقابة الذاتية التي كنا نخشاها لصالح الفرعون الكبير)، في المقابل فإن الاذاعة كررت – حسب بيانها - استعدادها للتعاون مع كل مرشحي الأحزاب المختلفة، مؤكدة أنها تعامل الكل بنفس المعايير الأخلاقية لتنظيم الخطاب الانتخابي.