ص74 . هكذا جعل عادل من سيرورات موته سيرورات لمولده من جديد، رسولاً للمحبة والإبداع والعطاء، وهو ما أعني به وعي الفاعلية. سجلت المرأة أيضاً حضوراً لافتاً في النص. إن تاريخ الوعي التناسلي هو تاريخ استرقاق المرأة، هو تاريخ وأد المرأة. بالنسبة للوعي التناسلي المرأة مجرد موضوع للرغبة والتناسل، أنثى وليست إنساناً، ليس لجسدها من وظيفة إنسانية أو اجتماعية أو فنية أو رياضية . . تبقى فقط الوظيفة الجنسية، فيتحول الجسد بالكامل إلى عضو تناسلي ينبغي أن نحجبه كما نحجب عادة أعضاءنا التناسلية. قالت نادية مبارك وهي فنانة تشكيلية مبدعة، عادة لا يبدع الإنسان إلا إذا تجاوز مهام بنيتي العقل التناسلي والبرجوازي: « أريد أن أتحرر من الاعتقاد الخاطئ بأن أنوثتي هي بوابتي الذهبية للنعيم، لن تعتقلني أوهام الجنس داخل زنازين الرجل أو كهوف جداتي . . وهبت نفسي بكليتها للكتابة والرسم، أنه النشاط الوحيد الذي يبقى منك حين تذهب. . «، قال لها عادل « ولكن. . لا أظنك بحاجة إلى اعتزال الحياة حتى تتحررين من سطوة هذا الاعتقاد؟ « ، قالت له « إنني بالطبع لا أرفضه كلياً ولكنني لا أريده بديلاً لحيوات أخرى، لا أريد أن أخلق من نفسي كاهنة تكرس حياتها له.» ص102. كان والد منى عثمان عبد السيد من القادة النقابيين المرموقين، أمضى حياته مدافعاً جسوراً عن حقوق العمال، لتتحسن شروط حياتهم مما يعيشونه من بؤس وإملاق، لذا رأى فيه نظام الجنرالات عدواً لدوداً ينبغي إفراغه ومحقه. فكان ما أن يخرج من المعتقل حتى يعود إليه من جديد، وفي نهاية المطاف أبعد عن العمل وكانت أن غرست فيه عذابات السجون المرض وعمقته، ثم قضى نحبه. لكن، كما لاحظنا أن البنية السائدة تشن في حربها ضد من يخرج على سلطتها كل الوسائل النفسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى التعذيب والقتل، وأبشع من ذلك أنها أحياناً قد توظف بأياد خفية من نحسب أنهم أصدقاؤنا ومن لحمنا ودمنا. مما يدل على أن الطبقة العاملة في كثير من الأحيان تكون فريسة سائغة لاختراقات الوعي التناسلي والوعي البرجوازي. ذات يوم قبل إبعاده عن العمل ائتمن عثمان عبد السيد زميله في العمل سالم، وكان سالم من كبار النقابيين، على أن يوصل معه بنته منى إلى المدرسة، كان القطار للبضاعة، خال من الركاب. كانت منى ذات خمسة عشر ربيعاً تنضح بالحيوية والتألق وبراءة الطفولة. وما كان من سالم وهو في عمر أبيها إلا أن يخون الأمانة، اعتدي عليها دون مراعاة لشرف العقيدة، دون مراعاة لشرف المهنة، دون مراعاة لشرف الطفولة. لم تجد توسلاتها وابتهالاتها وصرخاتها، ولم تجد مقاومتها، فتركها حطاماً بلا مستقبل. لم تقتصر عملية التفريغ على عثمان عبد السيد، بل امتدت إلى سلالته ونسله. عاشت منى بقية حياتها تحاول تضميد جرحها النازف، لكن دون جدوى. « ألعن كل ما حولي حين تحاصرني وصمات مجتمعي راسمة أمامي طريقاً لا يفضي إلّا إلى استهلاكي ، أحس بسقوطي وتحلل كينونتي، أشعر بالقرف من هذه الأنثى الغارقة في الابتذال التي أحملها برغمي والتي جعلها الإحساس بالظلم تستبيح نفسها للرجال ساخرة منهم ومن أدواتهم، مغرقة كل المعاني التي أحياها الخيال عن اللذة والخير والحب والعدل في الوحل.» ص136. « لماذا تجعلني تلك اللحظة الخرقاء التي داهمتني كلسعة الموت شيئاً غير صالح إلّا لتفخذ طلاب المتعة هنا في هذا العالم القميء ونيران الجحيم المتأججة في اليوم الآخر؟ لماذا على الضحية أن تكون عاقلة ومستسلمة . . . تنتظر جلادها في سلام ورصانة؟»ص135. عليه ما المتوقع حينما يلتقي عادل ومنى في بيت الرذيلة وتتكشف لهما سوءاتهما؟ هل سيكون مصيرهما أن يهبطا إلى الأرض أم إلى النار أم يؤول حالهما إلى الجنة؟ الإجابة عن هذا السؤال، لمن يأنس في نفسه الشجاعة، داخل مغارة الذئاب. *المراجع: 1- الشيخ محمد الشيخ، الإنسان والتحليل الفاعلي، مطبعة الوعد، الخرطوم. 1989 2- - موسم الهجرة إلى الشمال، مقاربة تحليل فاعلي، مجلة الدراسات السودانية. مج 3- - التحليل الفاعلي- نحو نظرية حول الإنسان، مركز الدراسات السودانية. 2000 4- - التحليل الفاعلي، نحو نظرية حول الإنسان، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة. 2001 5- - التحليل الفاعلي، نحو نظرية جديدة للأدب، مخطوطة. 6- - نحو علم للفاعلية، مؤتمر ترقية الوعي البشري، ساندييقو، الولاياتالمتحدة. 2004 7- - مركز دراسات الفاعلية www.faeeliya.org 8- عبد الرءوف بابكر السيد، النص الأدبي- الاستلاب والفاعلية ، مطبوعات جامعة التحدي، ليبيا.2008 9- هدى رجب إبراهيم ، فاعلية شعر الرفض والتمرد- أمل دنقل .عبد الرءوف بابكر السيد- دراسة في ضوء منهج التحليل الفاعلي، رسالة دكتوراه، جامعة الفاتح، طرابلس، ليبيا.2009 ملحوظة: نالت أربع طالبات الماجستير في الآداب في موضوعات تتعلق بالتحليل الفاعلي من الجامعات الليبية. كما توجد مقالات في مواقع مختلفة في النت.