في نقطة تفتيش دنقلا أوقفت القوات الامنية في صيف العام الماضي عددا من البصات السياحية، وذلك بغرض ممارسة السلطات الأمنية لمهامها المعتادة التي تجد الاستجابة من المواطنين وسائقي البصات، وكنت ضمن ركاب أحد البصات السياحية التي تصنف ضمن فئة الدرجة الثانية، وبعد أن قامت الجهات الامنية باداء عملها تحركت كل البصات باستثناء البص الذي كان يقلنا، وبعد أن طال انتظارنا سألنا عن السبب، وعلمنا أن ابن صاحب البص الذي يبلغ من العمر «16» عاما تم إيقافه من قبل أفراد نقطة التفتيش، على خلفية حمله لجهاز موبايل حديث تحوي ذاكرته أفلاماً تخدش الذوق والحياء ومخالفة للقانون. ولصغر سنه تعامل أفراد قوة الارتكاز بروح القانون واستجابوا لتدخلاتنا واطلقوا سراح اليافع، بعد أن قدموا له نصحا وارشاد. وفي المسافة ما بين نقطة التفتيش وحتى وصولنا السوق الشعبي بدنقلا، كان هذا الأمر مثار حديثنا، حيث اتفق كل ركاب البص حول خطورة حمل تلاميذ الاساس والثانوي لأجهزة الهاتف السيار، وذلك لأنه يقودهم الى ما لا تحمد عقباه اذا لم يحسنوا استخدامه، وأكد بعض كبار السن من ركاب البص أن الموبايلات الحديثة تقود الى فساد أخلاق الشباب بل تدمرها تماما. وكان عدد من خبراء التربية والباحثين الاجتماعيين قد حذروا من خطورة استعمال تلاميذ مرحلتي الأساس والثانوي للموبايل، وذلك للأضرار الكبيرة التي يلحقها بسلوكهم واخلاقهم. وأشاروا الى أن هؤلاء التلاميذ يمرون بأخطر مراحل الحياة، وهي مرحلة المراهقة، التي تتطلب قدرا كبيرا من الاهتمام من جانب الاسر، حتى يتجاوزها المراهقون دون الوقوع في ممارسات تخرج عن إطار تعاليم الدين وقيم المجتمع ، ويقول الاستاذ أحمد حسين إن أولياء الأمور مطالبون بتوخي الحذر والحيطة في التعامل مع ابنائهم الذين لم يتجاوزوا السابعة عشرة، وذلك لحساسية المرحلة العمرية التي يمرون بها، والتي تتطلب قدرا كبيرا من الاهتمام والمتابعة حتى لا ينحرف أبناؤهم عن جادة الطريق بفعل التأثر بما يحدث في الشارع من سلوكيات غريبة، او من خلال الفضائيات والهواتف السيارة التي اعتبرها من أخطر أنواع التكنولوجيا على الصغار، وذلك لانها تتيح لهم مشاهدة ما تستعصي مشاهدته في الفضائيات، بداعي مراقبة الأسر للتلفزيونات، وأطالب أولياء الامور بعدم شراء أجهزة هواتف سيارة لأبنائهم خاصة الذين يدرسون في مرحلتي الأساس والثانوي، وأن يتم تأجيل هذا الأمر إلى أن يدخلوا الجامعة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم تلاميذ المرحلة الثانوية بالعاصمة وجزء من تلاميذ الأساس يحملون اجهزة موبايل، وأكثرهم لا يجد صعوبة في شرائه كما حكي لي تلميذ الثانوي وائل الذي قال إن هناك من يشتري له والده الموبايل هديةً على نجاحه، وهناك من يشتريه من موارده الذاتية التي تأتي عبر التوفير من «حق الفطور والمواصلات»، عطفا على عطايا الوالدين في أوقات متفرقة، وخصما أيضاً من أموال «الحلاقة» و «الملابس» التي تمنح لهم، واعترف وائل بأن عددا مقدرا من التلاميذ يحملون أجهزة متطورة بها ذاكرة تتيح تخزين الأفلام المخلة للآداب والاغاني التي تجد رواجا كبيرا، ويشاهدها حتي الذين لا يملكون موبايلات، غير أن وائل نفى أن يكون كل من يحمل «موبايل» من تلاميذ الثانوي يشاهد ما هو مخالف للشرع. وقال إن هناك من يستمع ويشاهد عبر جواله القرآن الكريم ومحاضرات دينية، وهناك من يستفيد منه في الدخول للشبكة العنكبوتية لمعرفة ما يدور في العالم، ويختم وائل حديثه مؤكدا ان لكل قاعدة شواذ، إلا انه اعترف بتأثير الموبايل السالب على الشباب الصغار. وقال إنه يتيح تعلم سلوكيات غير جيدة، كما أنه يعلم الكذب، وان بعض اولياء الامور يهدفون من امتلاك ابنائهم لاجهزة الموبايل الى التواصل معهم عند حدوث طارئ أو تأخير، وأن بعضهم يقوم بتفتيش موبايلات ابنائه. ولكن لا يعلمون أن الشباب باتوا يخرجون الذاكرة ويضعونها بعيدا عند دخول البيت، خوفاً من حملة تفتيش مفاجئة من الأسرة. والباحث الاجتماعي رضوان السماني حذَّر من آثار الموبايل على التلاميذ، وقال: إن أضراره لا تحصي ولا تعد، وهم في هذه السن الصغيرة يبحثون عما يثبت أنهم قد اصبحوا كبارا، وهذا يقودهم الى مشاهدة الافلام الخليعة والاغاني الهابطة والدخول في مغامرات غرامية. وهذه الاشياء لها انعكاسات سالبة على نفسيات وسلوكيات الصغار، بل تحول معظمهم الى مدمنين لمشاهدة الافلام او الاستماع للأغاني، وهذا يفقدهم التركيز على الدراسة ويبعدهم بعض الشيء عن تعاليم الدين وقيم المجتمع، ويؤثر عليهم مستقبلا، فيصبح بعضهم شهوانياً او سطحياً، لذا أطالب اولياء الأمور بضرورة الحرص على عدم شراء أجهزة هواتف سيارة لابنائهم في هذه السن الخطرة التي تتطلب قدرا من التعامل المتزن، وأن تكون محفزات النجاح والهدايا بعيدة عن التكنولوجيا الحديثة، ومن الممكن أن تكون كتباً أو زياً رياضياً أو غيره من الهدايا التي تساعدهم على قضاء اوقات الفراغ، بدلا من الموبايل الذي حتي إن استدعت الضرورة شراءه للتلميذ، فلا بد أن يكون من النوع العادي الذي ليست به تقنية متطورة.