(1) حزينٌ أنا بسبب ذلك اليوم الذي غاب فيه عقلي!. فكيف سمحت لنفسي أن أقف ألف أحمر أمام زوجتي. لماذا خيرتها في لحظة انتفاخ كاذبة بين خيارين كلاهما مر مريع؟. لماذا لم أترك بيني وبينها مساحات للتراجع؟. ولم كل هذا التشظي الآن؟. (2) قلت لها ويدي اليمنى تتجول في قاع جيبي الأمامي الذي أصابه ورما خبيثا مفاجئا وامتلأ بأوراق خضراء من فئة الخمسين حسبتها لن تتآكل ولن تتلاشى مهما تصاعدت وتيرة الغلاء، أو حتى لو اشتعلت فيها نيران وطني الجديد بأكمله !. (3) نعم تذكرت. قلت لها عندما رماها الحظ بوظيفة يسيل لها لعاب المنتظرين مثلها: أنا راجل البيت وجيبه، أنا خبز البيت، دقيقه، وزيته، وغازه، وصحنه، وفمه أيضا، وأنتِ رائحة البيت وأذنه، تلك الأذن التي تلتقط أوامري جيدا وتسمعها وتنفذها، فقط استمتعي برنين النقود عندما تعزف لحنها. (4) لا يوجد خيار ثالث مع هذا الورم الخبيث يا حبيبتي، لك أن تختاري: أنا بكل بريقي واشراقي وكرمي أم الوظيفة التي تعني الخروج من دائرتي إلى الأبد. لن أمهلك أكثر من ثلاث دقائق، فالصمت حتما يعني خيار الخروج. تفضلي وكلي أذان صاغية. (5) ابتلعت ريقها الناشف من صدمة المفاجأة، استفسرت بعيونها الكحيلة عن وعودي التي أطلقتها في أزمنة الخطوبة واللعب على مسرح الأحلام بعيدا عن أرض الواقع الجرداء. لماذا كل هذا البون الشاسع بين الأمس واليوم يا زوجي العزيز ؟. (6) افتعلت غضبا كاسحا، ورمقتها بعين حارقة، وأفصحت لها بأن لا وقت لديها للعتاب ولم يتبق لك سوى ثانية واحدة من الزمن المحدد، ودائرتي ما زالت مغلقة بزاويتها البالغة 360 درجة وأنتِ داخلها، فإذا أردتِ الخروج دعي عقارب الثواني تكمل دورتها. (7) أشارت بالعشب القابع فوق رأسها الجميل بعدما أزالت دمعة شاردة من مقلتيها خبأتها تحت لسانها بأن رغبتها في الوظيفة قد تلاشت منذ أن وضعتها في كفة ميزان لا يحتملها هي وأحلامها في وقت واحد. (8) وإلى وقت قريب كنت معها رجلا عميق الكلمة، أوفيت بما نطقت به أمامها. فكنت باب البيت ونافذته ومطبخه إلى أن جاء هذا اليوم الأغبر الذي أصبح فيه معاشي الشهري لا يفي سوى أسبوعا واحدا من الشهر. طرقت كل الجهات بحثا عن دخل إضافي ولا أحد يجيب، الكل يدور في دائرة مفتوحة من الهلع والذهول. فماذا أنا بفاعل. (9) ولأن التاريخ عربيدا بطبعه ولا يمل من الدوران وعادة ما يعيد نفسه، هاهي الصدفة وحدها ترمي في طريقي فرصة لوظيفة مفصلة بأنامل خياطٍ ماهر على مقاس زوجتي. سرقت أوراقها ليلا، وفي الصباح كان الضوء الأخضر بالقبول قابعا في جيبي الأمامي. (10) أقتربت منها بحذر والصقت قبلة احترام عميقة في جبينها، وعندما استنكرت ما أفعله لم أجد مفرا من أن أهبها ثلاث دقائق لتختار فيها: إما القبول بهذه الوظيفة أو الخروج من دائرة حياتي البائسة إلى الأبد.