بدأت الحملات الإنتخابية تستعر ويزداد أوارها، وبدا المرشحون وكأنهم يخوضون إنتخابات حقيقية مبرأة من العيوب، وبدا خطابهم الموجه إلى جمهور الناخبين، صادقاً متفائلاً وبرَّاقاً، يخلب الألباب ويدغدغ الأحلام .. هكذا يبدو الأمر للرائى، الذى هو على نياته، يحلم بحكامٍ يسوسونه ليخرجونه من الدوامة التى يعيشها اليوم، فهو فى سبيل أن ينتشل حياته من وهدة التخلف والظلام والمسغبة وينجو من براثن الجوع وشظف الحياة .. يسدر فى الأحلام ويتصور أن هذه الإنتخابات ستفرز له حكومة تحقق أحلامه وتجعل أمانيه واقعاً. ولكننا نقول لأهلنا البسطاء لقد بيع لكم الترماى، فهذه الطريقة لا تولد إلا حكومة لها ذات ملامح وشبه سابقتها ربما تكون أسوأ .. فلا تغرنكم تلك الشعارات البرَّاقة التى يتوشح بها هذه الأيام كل المرشحين .. فما من أحد إلا ووعد الشعب السودانى بسعة العيش ورغده .. ودغدغ أحلام الجماهير بأمانى عذاب ووعودٍ قاطعات بالتوظيف لجميع عطالة السودان والعلاج المجانى للمرضى الذين يعانون من المرض فى كل بقاع السودان وبشروهم بمجانية التعليم لكل من أراد العلم حتى ولو بالصين، ولكننا لا نستطيع أن نصدقهم بل لايجب أن نفعل ذلك ، هؤلاء يستخفون بعقولنا فمثل هذه الأمور يرغب فيها المواطن فعلا ويطمح أن تكون واقعاً فى حياته ولكن كيف يحدث ذلك و مثل هذه القضايا تتقاصر عن مشاكل السودان الأخرى الكثيرة و المعقدة والتى يتطلب حلها معجزة إلهية تضطلع بعبئه ، ومن ما يجعلنا نشكك فى برامج هؤلاء المرشحين أنهم تحاشوا حتى مجرد الحديث العابر عن القضايا الحقيقية التى تُهدد وجود الدولة السودانية كدولة ذات سيادة فى خارطة دول العالم ، فمثلاً لا أحد لديه الرؤية لكيفية إسترداد مثلث حلايب ولا مثلث إليمى فى الحدود الكينية بل إن جنوب السودان الذى يضم مثلث أليمى أضحى ذهابه بعيداً عن الدولة أقرب بكثيرٍ إلى الواقع أكثر مما نتصور وأقاليم أُخرى فى طريقها إلى اللحاق بقطار الإقليم الجنوبى حتى وإن لم يتم التصريح بذلك ولكن النهج الذى تُدار به أزمات السودان لا يؤدى إلا لتكرار النموذج الجنوبى ، بل إن هؤلاء المرشحين يفضلون الموت على الحديث عن هذه المثلثات وما يجره من غضبٍ إقليمى عارم ، فهناك فى الجوار الإقليمى من لا يرغبون فى سماع مثل هذا الحديث فهو يستفزهم ونحن طالما لا نرغب إلا فى السلطة من أجل المآرب الشخصية وطالما أن من يغتصبون أرضنا أياديهم طويلة فإن أنسب طريقة لتحاشى مواجتهم ألا تدخل نفسك فى إلتزام سيطالبك الناخبون أن توفى به إذا ما قدر الله أن تفوز فى الإنتخابات وتصل إلى السلطة ثم لاتسطيع الوفاء بذلك خشية المواجهة الإقليمية ، فضلا عن أن حروب التحرير وما شابهها من أمور تحتاج إلى رجال دولة أُولى عزمٍ مثل المهاتما غاندى و المناضل الجنوب أفريقى نيلسون مانديلا ومن هم على شاكلتهما وأمثال هؤلاء من السياسيين أصبحوا أندر من لبن الطير ، فضلاً عن أن الدولة التى تخوض حرباً لإسترداد جزءٍ من أراضيها وتنتصر لابد من أن تكون دولة يسودها الإنسجام الداخلى بين مكوناتها السكانية وتتربع العدالة فى أرجائها . أيضاً هناك نوع آخر من الممارسة من المتنافسين فى الإنتخابات زاد على هذه الدعاية الخادعة .. بأن بدأ يكشف عورات الخصوم وهؤلاء أشر أنواع المتنافسين .. فبدأ الناس يسمعون حكاوى من المستخبى والمغطغط وقد تناسى هؤلاء أن الشعب السودانى لم يصب بالزهايمر وذاكرته لا زالت تذكر الأحداث ومن حظه فإن معظم الأحداث المشينة التى يستشهدون بها فهى قد حدثت منذ عهد قريب جداً وتحديداً قبل 15 إلى 20 سنة! وإنهم كانوا فى خضمها بل شاركوا بصفة أساسية فى صنعها .. فمن يخدعون اليوم؟ .. من الواضح أن ضراوة المنافسة آخذة فى التصاعد بدليل أن الجميع بدأ يستخدم كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة نرجو أن لا تأخذ الحمية البعض للإسراف والإفراط فى إستخدام الأسلحة غير المشروعة حتى لا يحدث ما نخشى عقباه. ما يهمنا فى كل هذا ألا يسدر الناس فى أحلام وتوقعات لا تعود إليهم فى آخر المطاف سوى بالآلام المضاعفة والتباريح الموجعة جرَّاء تبخرها لتغدو مجرد أضغاث أحلام وكوابيس .. وليتقِ المرشحون الله فى أهلهم .. فلا يدغدغوا أحلامهم بوعود لا يستطيع أحد منهم أن يوفى بها .. حتى ولو كان صادقاً رغم الشك الكبير فى تصديق كل ما يجرى ويتعلق بالسياسة فى السودان من أهله .. وهذا ليس موقفاً صفسطائياً وإنما تجربتنا مع شئ إسمه الحكم فى السودان هو الذى أورثنا هذا الإحباط .. كان يمكن أن نتفاءل خيراً بأن شيئاً من هذه الأحلام المشروعة التى تراودنا يمكن أن تكون حقيقة، ونرى بلادنا تُحكم بواسطة الصادقين من أبنائها .. ولكن الترتيب لهذه الإنتخابات المزمع قيامها قفل أمامنا أى سبيل للفرح والتفاؤل، فحزب الحكومة الذى هو طرف فى هذه الإنتخابات هو من نظم اللعبة وعيَّن المسئولين عن المؤسسات التى يُفترض أن تشرف عليها فكيف يمكننا أن نتعشم خيراً من إجرائها؟ وكيف يمكن أن نتوثق من نزاهة الإنتخابات القادمة؟.لا نرى فيما يدور من حراك سياسى يتعلق بإجراء إنتخابات ما يشى بأن الإنتخابات التى ستجرى فى أبريل بعد شهر .. إنتخابات حرة ونزيهة وستفضى إلى تداول سلس وسلمى للسلطة فى السودان والشواهد على ذلك كثيرة .. لأنه ببساطة فى حالة السودان ولكى يتم تحول سلس للسلطة لابد من أن تتحقق شروط صحة لهذا التحول .. وهو ما لا يتوافر الآن، كيف تكون الإنتخابات نزيهة وحرة وتُفضى إلى اسلوب سلمى لتداول السلطة فى السودان والمؤتمر الوطنى هو الذى صمم هذه الإنتخابات بالكيفية التى تسهم فى فوز أعضائه فى الإنتخابات ...فالحكومة هى الخصم والحكم ، ثم الوعود الفضفاضة التى ظل يبذلها المرشحون و ترشيح بعض الأحزاب لبعض الأسماء وهى تعلم تمام العلم أن هؤلاء قدراتهم لاتؤهلهم للفوز، خاصة فى منصب رئاسة الجمهورية، تدل وبصورة قاطعة على أن الأحزاب تسخر من هذه الإنتخابات وتعدها مجرد كوميديا مضحكة ليس إلا ، تفسيرنا لخوضها يؤكد قلة حيلتها فحسب.